رغم أن الأديب العالمي نجيب محفوظ قدم صورة "المرأة الساقطة" بكثرة في أعماله الروائية، فإنه كان يحب المرأة إلي درجة التصوف، فيرتفع بها عن الوحل الذي انغمست فيه، ليصل بها إلي أن يجعلنا نتعاطف معها، والأمر نفسه فعلته الروائية أمينة زيدان في شخصيات النساء الساقطات التي تناولتها"، بهذه الكلمات علّق الشاعر والناقد عبد العزيز موافي علي أعمال الروائية أمينة زيدان في ندوة عقدتها دار الكتب والوثائق القومية مساء الأربعاء الماضي، ضمن سلسلة "شهادات روائية". قال موافي: في البداية لم أحب روايتها "نبيذ أحمر"، لكن عندما أعدت قراءتها وجدتها رواية عميقة، لقد نجحت أمينة في أن تحيل بعض شخصياتها من نموذج إنساني لنمط إنساني، فسر عظمة نجيب محفوظ أن شخصياته تعد نمطا إنسانيا يمكن أن ينطبق علي قطاع عريض من المجتمع مثل شخصية "سي السيد"، ولقد استطاعت أن تخلق درجة عالية من الدهشة وكسر التوقع في رواياتها، وحاولت أن تراوغ القارئ ربما دون وعي منها، أما الصراع داخل الروايات فهو بين غريزتين أساسيتين هما الغريزة الخالقة التي تحمل قدرا من التفاؤل والغريزة الهدامة، وقد وقعت العديد من الشخصيات في هذا الصراع مما يدفعنا للتعاطف معها. أما أمينة زيدان التي حصلت علي جائزة "نجيب محفوظ" من الجامعة الأمريكية العام قبل الماضي، فقالت: "لا أريد أن اتهم بأنني "فيمينست"، تقدم مشاكل المرأة، فأنا مقبلة علي سن الخامسة والأربعين، وأهتم بالإنسان بجزءيه وليس المرأة فقط، وفكرة قهر الرجل للمرأة رغم أنه يحدث في الواقع، لكنني أتمتع بقوة فهم أن هذه طبيعة المجتمع، وإن كانت تسيئني حالات العنف التي أراها من كل طرف تجاه الثاني". وتابعت: لي ثلاث روايات هي: "هكذا يعبثون" و"نبيذ أحمر" و"شهوة الصمت"، مر وقت طويل علي إصدارها، ورغم ذلك بدأت أنظر لها نظرة مختلفة، ولاحظت أنه يربطها خيط رفيع لم أكن أدركه وأنا أكتبها، حتي أن بعض النقاد أطلق عليها الثلاثية، لكنني اختلف مع تلك الفكرة، أما هذا الخيط الرفيع فهو الفضاء الزمني الذي دارت فيه وإن اختلفت الحكايات من رواية إلي أخري. وأضافت: بعد الثلاث روايات أدركت أن الكتابة جزء أساسي من الحياة وأنها مساحة الحرية الحقيقية التي أعيشها، لقد تعودت أن أكتب 5 ساعات متواصلة في فترة معينة خلال اليوم، لكن ذلك أصبح صعبا الآن". وأجابت أمينة عن تساؤل طرحه أحد الحضور خاص بتجربتها مع المقاومة في مدينة السويس، ما بين بعد حرب 1967 وحرب 1973، قائلة: لم أكتب عن الحرب في "نبيذ أحمر" من وجهة نظر عسكرية، كان تركيزي الأكبر علي منطقة السويس، وعناصر مقاومتها التي كانت معروفة إلينا وتعيش بيننا بأحوالهم الاجتماعية السيئة، رغم أنهم قدموا بطولات تستحق أن تكتب، وقت الحرب كان عندي 5 أو 6سنوات، مازلت حتي الآن أتذكر صور البيوت المهدمة، رأيت البلد في حالة دمار حقيقية، وحينما تناولت تلك الفترة اعتمدت علي ذاكرتي وقراءاتي ومقابلة الناس التي سهلها لي أبي وعمي. وكان الدكتور عبدالناصر حسن قد قال في تقديمه للندوة: دار الكتب تقدم هذه الشهادات لأجيال متوالية من الإبداع الروائي لترصد الحركة الروائية بها والتحولات السياسية والاجتماعية وغيرها التي آل إليها حال البلد منذ منتصف القرن الماضي وحتي الآن. وتابع: تميزت كتابات أمينة الإبداعية بالتوجه الواعي للحياة وما حولها، خاصة أنها نشأت في منطقة السويس وشهدت آثارا من حرب 67 وقد كشفت عن تحولات المهجرين من المدينة ورؤيتهم لمجتمع القاهرة، ورصدت البكاء علي عبد الناصر وقت أن قدم استقالته والمظاهرات التي قامت في ذلك الوقت وغيرها.