أديبنا العالمي نجيب محفوظ ونحن نحتفل بمائة عام علي ميلاده نبحث داخله من خلال أعماله الخالدة، فهو لم يكتب سيرته الشخصية واكتفي بما تحدث به مع من حوله أو في حواراته الصحفية، وكأنه يعلم أن أعماله ستشغلنا أكثر لسنوات كثيرة لنظل نستقي منها آراءه تارة وسيرته الذاتية تارة أخري. في هذا التحقيق سنبدأ محاولين أن ندخل عالم محفوظ الخاص فقط بالمرأة والسلطة واليسار وكيف عبر عنهم أديب نوبل.. وملامح شخصياته المرتبطة بالثلاث نقاط، خاصة وأن رواياته هي أحد أهم مصادر معرفة العالم بمصر كما جاء في رسالة للرئيس الفرنسي شيراك أرسلها لمحفوظ قائلا: «قرأناك فعرفنا مصر وأحببنا شعبها». بداية نبدأ بنموذج المرأة في روايات محفوظ والذي وقف عنده الكثيرون ومنهم الكاتبة نعمات أحمد فؤاد والتي رأت أن محفوظ قدم نماذج سيئة للمرأة ولكنه قرر أن يتصالح معها ويقدم نموذجا للكبرياء المتسامح والقدرة علي الصمود أمام الإغراء فكانت «الثلاثية»، «بداية ونهاية»، وقد شغل نفس الموضوع د. فوزية العشماوي للدرجة التي جعلتها تناقش رسالتها للماجستير حول «مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة من خلال روايات نجيب محفوظ 1945 - 1967» وحصلت علي تقدير امتياز من جامعة جنيف لتترجم الرسالة في 2002 باللغة العربية، وذكرت العشماوي أنها تنبأت بعد رسالتها بحصول محفوظ علي نوبل وقالت له ذلك عام 1979. حللت المؤلفة ثلاث شخصيات نسائية في روايات محفوظ هي «نفيسة» في بداية ونهاية 1949 و«نور» في «اللص والكلاب» 1961 و«زهرة» في «ميرامار» 1967، بجانب طرحها لنظرة عامة علي تطور المرأة المعاصرة. الامتداد وتري الإعلامية والكاتبة درية شرف الدين والتي قدمت في رسالتها العلمية هي أيضا نقاط ترتبط بالمرأة علي شاشة السينما في الستينيات - والتي كانت روايات لمحفوظ - أنه الأديب الراحل قدم المرأة في نماذج جيدة منها دور «الأم» التي قدرها ووضعها في مكانة عالية، وأيضا الابنة، الجدة وتشيد بحالة «الامتداد» التي صنعها في الأجيال مؤكدة أن حتي نموذج «الغانية» قدمه بمثالية تناسب المجتمع. ولم ينسق إلي أدب مكشوف وتعود شرف الدين لتؤكد حرية تعبير أي فنان عن الحياة كما هي وكما يراها. ويؤكد د. حسين حمودة أن محفوظ قدم صورا متعددة من النساء عبرن عن فترات زمنية مختلفة وعوالم اجتماعية متباينة ومستويات للوعي متعددة أيضا لكن هناك نموذجا واحدا أو نموذجين من النساء هما اللتان شاعا وانتشرا في تجربته وهما الأم الطيبة المغلوبة علي أمرها كما هي «أمينة» في الثلاثية أو نموذج العاهرة كما في روايات أخري مثل «اللص والكلاب، وبداية ونهاية، والسمان والخريف». نماذج متعددة بينما تطرح د. أماني فؤاد - المدرس بأكاديمية الفنون نموذجا مهما رغم اعترافها باحتفاء محفوظ بشخصية العاهرة النقية الخيرة بنت البلد، ولكنه قدم نماذج مثل سمارة في «ثرثرة فوق النيل» المثقفة الحقيقية والتي لم يعجبها أي نموذج للرجل فقدمها بالشكل اللائق لدرجة تري بها فؤاد أنها كانت النموذج الذي بحث عنه محفوظ طوال عمره بجانب شخصية «عايدة» الأرستقراطية المثقفة التي علمت كمال الحب وتري فؤاد أننا يجب أن نضع السياق الذي كتب فيه محفوظ أدبه مقارنة بالمرأة في 2011. وتري الروائية أمنية زيدان أننا لا يمكن أن نفرض علي محفوظ توجها معينا في كتاباته فهو كان يهمه الإنسان بشكل عام ولهذا لا يمكن القول إنه انحاز للرجل ضد المرأة أو العكس بالعكس فروح الانهزام كانت موجودة في الرجل أكثر من المرأة أما «الغانية» التي قد يلوم البعض محفوظ عليها فهي تتمتع بقدر من القوة والتأثير فيمن حولها. اليساري قد يكون أشهر كتاب اليسار محمود أمين العالم ووصفه بكاتب «البرجوازية الصغيرة» في البداية ورغم وجود نماذج يسارية كثيرة في فترة محفوظ فإن البعض رأي أنه قدم نماذج اليساري إما انتهازي أو عدمي أو خائن مما يجعلها شخصيات مشوهة وتساءل البعض لماذا خلت رواياته من نموذج يساري صحي غير مأزوم؟ يري صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة «القاهرة» أن محفوظ كان من أوائل الكتاب الذين برزوا شخصية اليساري مبكرا منذ رواية «القاهرةالجديدة» و«علي طه» صاحب التوجه الاشتراكي مرورا ب «خان الخليلي» وحتي في «الثلاثية» وشخصية أحمد شوكت وما بعد الثلاثية مثل «السمان والخريف» والشحاذ بشكل واضح في النهاية و«ميرامار» وهي الرواية التي قدم فيها محفوظ اليساري المهزوم، أما في «اللص والكلاب» فكان «اليساري الانتهازي «ممثلا في رءوف علوان» ولكن يعود عيسي لتفسير ذلك مؤكدا أن محفوظ رسم تلك الشخصيات من الخارج فهو كان وفديا لذلك رسم شخصيات الوفديين بعمق أكثر وبقرب منهم بشكل أقرب للصحة، أما اليساري فهو لم يقترب منهم لهذا برزت الصورة ذهنية أكثر منها محسوسة. بينما رفض الروائي محمود الورداني تلك التقسيمات وعبر قائلا: إنها لا تصلح لدي محفوظ الذي كان اهتمامه الأول بالعمل الروائي وعندما نقرأ أعماله لا نجد إدانة لأي قيمة محترمة، وأضاف أن الشخصيات هي التي تقود العمل الروائي وتقود محفوظ ولا يحمل انطباعا مسبقا عن أي شيء قبل الكتابة، فتجاوز الأسئلة والنماذج التقليدية لهذا نري في «ميرامار» الشخص الماركسي في الستينيات الذي آذاه عبدالناصر وغيرها من النماذج مؤكدا أن نماذجه استطاعت أن تحتوي علي كل الشخصيات بلا استثناء ورغم أنه كان وفديا قدم أيضا نموذج الوفدي في «ميرامار» سيئا.