لم يلتفت كثيرون لمضمون المكالمة الهاتفية التي حرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي إجرائها مع نائب الرئيس السوداني سيلفا كير والذي تصفه وسائل الإعلام الأمريكية، بأنه زعيم جنوب السودان وذلك في عز انشغال أوباما بإدارة أولي معاركه مع الكونجرس لتمرير معاهدة ستارت مع روسيا وعدد آخر من القوانين المهمة والمثيرة للجدل، ولكن بالنظر إلي بيان الأبيض حول هذه المحادثة استلفت نظري جملة تتحدث عن قيام أوباما بالتأكيد علي أهمية زعامة سيلفاكير في هذه المرحلة غير المستقرة من تاريخ السودان، هذه الكلمات لو وضعناها بجانب عدة مؤشرات أخري تلاحقت علي مدي الأسبوع الماضي ستري بوضوح إلي أين يسير المشهد السوداني المضطرب، منها تصريحات ياسر عرفان القيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان - تحريرها من من !! والتي ذكر فيها أن القطاع الشمالي للحزب سيتحول إلي حزب مستقل بمجرد انفصال الجنوب، ثم تلويحه بالتهديد بأن الحركة ستسعي للحصول علي دعم المواطنين المهمشين حتي من متمردي دارفور!! حرب التصريحات هذه لم توتر الرئيس السوداني عمر البشير الذي بدا أداؤه في قمة التردد فهو تارة يهدد بوضع دستور جديد أساسه الشريعة الإسلامية، ثم يتراجع عن تصريحاته تلك وغير الحكيمة فيعلن أن السودان ملتزم بإجراء الاستفتاء في موعده. هذه التصريحات التي زادت الطين بلة كانت تجري في وقت كان فيه الاستعداد علي قدم وساق لمرحلة ما بعد الاستفتاء ولا أقصد انفصال الجنوب فهذا أصبح أمراً مفروغاً منه، ولا استبعد أن تكون واشنطن ومعها سلسلة من الدول الأوروبية والأفريقية والمجموعات الحليفة للولايات المتحدة وإسرائيل علي رأس أولي الدول التي بدأت تستعد بالفعل لاعلان اعترافها بأولي دويلات السودان المقسم فور إعلان النتيجة المرتقبة للاستفتاء، ولكن ما أقصده خطط التقسيم التالية والتي وضعت منطقة أبيي جانباً بشكل مؤقت لتلتف حول دارفور ومصير دارفور وقبل أسبوع تلقيت دعوة خاصة لمؤتمر صحفي محدود مع سكوت جريشن الذي كان موجوداً بالخرطوم وقتها وذلك عبر الهاتف، والذي أعلمنا بخبر تعيين إدارة اوباما لمبعوث ومستشار خاص لشئون دارفور هو الدبلوماسي الأمريكي دين سميث القائم بالأعمال السابق بالسفارة الأمريكية بالخرطوم وسفيرها الأسبق في عدة دول أفريقية. كان الواضح أن الدور جاء علي دارفور الغنية والتي يحوي جنوبها واحداً من أكبر مستودعات احتياطي اليورانيوم النقي في العالم ناهيك عن معادنها وثرواتها الموجودة فيما يعرف بحفرة النحاس، واطلقت عليها أنا «حفرة اليورانيوم». وقد سألت جريشن في إطار كشف تسريبات الويكي مؤخراً عن قيام كينيا بتهريب السلاح للمتمردين في جنوب السودان في عهد بوش عن موضوع تهريب السلاح إلي المتمردين في دارفور، جريشن بادرني بأن الولاياتالمتحدة في عهد اوباما ضد تدفق السلاح إلي دارفور وأن اهتمامها الحالي هو وقف إطلاق النار، وتحدث مطولاً عن اجتماعات الدوحة باعتبارها أهم حراك حالي بالنسبة للولايات المتحدة، وعندما سألته عن مخططات تقسيم السودان إلي عدة دول بالجنوب ودارفور ومناطق الشرق ( قبائل البجا) وربما ابيي. فإن اجابته لم تحمل نفياً ولكن حملت تحذيراً واضحاً للبشير مبطناً في شكل نصيحة لحكومة السودان بالتأكد من تلبية مطالب الناس في دارفور وأبيي وبورسودان أي شرق السودان، قبل أن يضيف «أن هذا يفسر كيف أن اجتماعات الدوحة حول دارفور مهمة للغاية لأنها توضح كيفية «اقتسام السلطة والثروة» وكيف سيتم تقاسم الكعكة حسب تعبيره وأنه علي حكومة السودان القيام بواجباتها بشأن تحسين أحوال المعيشة وتوفير الخدمات العامة واحترام حقوق الإنسان وتوفير العدالة.. هل هناك وضوح أكثر من ذلك أن جريشن الرجل العسكري قالها صراحة فماذا ينتظر البشير، سوي توالي التقسيم المقرر الذي سيكرس النهش في عمق الأمن القومي المصري. إن الجنوب السوداني المرتقب والذي ستكون إسرائيل علي رأس أولي الدول التي ستعترف به أصبح نافذاً بالفعل بفضل «حماقات البشير واعتماده علي فكر إخوان السودان الذين يحركونه منذ انقلابه الشهير» هذه الحملة قالها لي دبلوماسي أمريكي متقاعد قبل أيام، قبل أن يضيف «إن البشير مهما فعل فإنه ورقة سيتم التخلص منها عبر المحكمة الدولية بعد استنفاد جميع المطلوب منه وأن المليارات التي حولها - حسب تسريبات الويكي - لن تحميه ولن تصبح في متناول يده أو يد عائلته عاجلاً أم آجلاًَ» كلمات هذا الدبلوماسي المخضرم التي يعرف المنطقة جيداً، واضحة وضوح الشمس وتؤكد ما سبق أن تحدثنا عنه مراراً وتكراراً علي مدي ما يزيد علي 12 عاماً حول مخاطر الاستعمار الجديد والناعم الذي يخدم خطط إسرائيل لتقويض مقررات مصر والتحكم في مصادر الحياة عبر إفريقيا. وإلي الزملاء الذين سبق واتهموني باعتناق نظرية المؤامرة: ازيكم بقي؟!. مديرة مكتب روزاليوسف في واشنطن