بسرعة البرق تحول التوك توك أو «الركشة» كما يسمونها في الهند الي ظاهرة داخل المجتمع المصري ، ومثل كل الظواهر أصبح التوك توك مثار حوارات ومناقشات عديدة، واحتل التوك توك موقع الصدارة في العديد من المنتديات حتي تسلل الي قاعة البرلمان كي يحظي بالشرعية والحماية. وعلي مدار شهور حاولت وزارة الداخلية وضع حزمة من القواعد التي تنظم عمل ذلك الوافد الجديد علي الشارع المصري ودخلت الإدارات المحلية علي الخط وعلت أصوات مستوردي التوك توك في مواجهة تلك الأصوات التي تطالب بوضع ضوابط للاستيراد والتراخيص. المواطن المصري من ناحيته وجد ضالته من خلال هذا الوافد الجديد خاصة في الأقاليم حيث يتوافر التوك توك هناك بشكل مستفز، أصبحنا أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها علي الإطلاق وهي هذا الكم الهائل من التوك توك الذي يجري في شوارع المدن والقري المصرية وبالطبع هناك مستورد للتوك توك يبحث عن أكبرقدرمن التوزيع والربح وهناك مالك يبحث عن دخل ثابت ومريح وهناك سائق يبحث عن فرصة عمل وبالطبع هناك ملايين الركاب يستخدمون التوك توك كوسيلة تحرك وتنقل أساسية، مؤيدون ومعارضون.. مدافعون ومهاجمون الجميع يتحدثون والجميع لا يسمعون، بيد أنني حتي الآن لم أصل الي بيت القصيد في مقالي هذا! إنني أتساءل بمنتهي حسن النية هل هناك دراسات أجرتها جهة ما في الدولة قبل السماح باستيراد التوك توك؟ هل فكر أحد في الآثار السلبية علي الاقتصاد المصري من جراء دخول التوك توك الي مصر المحروسة؟ وهنا لن أتطرق الي الفوضي العارمة التي أحدثها دخول التوك توك الي الشارع المصري! كل أنواع الفوضي في المرور وفي السلوك وفي الضوضاء وفي السرقات وفي التحرشات وفي الحوادث.. كل هذه الظواهر والمظاهر رغم أهميتها وخطورتها لا تقلقني كثيرا حيث يمكن التغلب عليها جميعا من خلال تفعيل القوانين القائمة بكل حسم وعلي الجميع دون استثناء. إن ما يقلقني حقا وأشعر معه بخطورة بالغة علي مجمل الأنشطة الاقتصادية في مصر هو تلك الهجرة الجماعية للحرفيين والصنايعية في شتي المجالات من أعمالهم الأصلية الي تملك وقيادة التوك توك، لقد ترك الكثيرون حرفهم التي قضوا فيها سنوات من العمل حتي صاروا خبراء وقرروا شراء توك توك والعمل عليه محققين دخلا لا بأس به يوميا! إنني لاحظت وشاهدت واستمعت الي الكثيرين من أصحاب الأعمال والمصالح يشتكون مر الشكوي من عدم وجود عمال أو صنايعية أو حرفيين فالجميع أصبح صاحب مشروع توك توك مالكا وقائدا. أكثر القطاعات تأثرا هو قطاع المقاولات الذي يعتبر قاطرة للتنمية ثم قطاع الزراعة الذي يمثل الجانب التاريخي للاقتصاد المصري، لقد هجر العمال الزراعيون وشباب المزارعين زراعاتهم وحقولهم وفضلوا ركوب التوك توك. إنني أشعر بالخطر الداهم فطبقة العمال والحرفيين بدأت تنزل من قطار العمل المتخصص مفضلة ركوب التوك توك مخلفين وراءهم أعمالا معطلة ومصالح لا تجد من يقوم بها، لم يعد هؤلاء يعملون في وظائفهم وبالتالي لم يعد هناك عمليات لنقل تلك الخبرات إلي الأجيال الجديدة من الحرفيين. إنني لا انظر الي اللحظة الراهنة رغم ان المشكلة لاتزال في بواكيرها، لكنني أنظر الي القضية وآثارها بعد سنوات من الآن.. عندما يتقاعد هذا الجيل الذي بدأ يتحول اختياريا لركوب موجة التوك توك ولم يصنع صفا ثانيا يقوم بالمسئولية. إن مصر صاحبة الكثافة السكانية العالية يمكن أن نراها مستوردة للحرفيين والعمال المهرة من الخارج فأبناء مصر من الحرفيين والعمال فضلوا ركوب التوك توك عن البقاء في أعمالهم، إنني أشعر بالخطورة الشديدة وأري أن تسارع الدولة ممثلة في وزارات النقل والتجارة المحلية والداخلية لوضع تصور لحل المشكلة التي أراها كارثية علي الاقتصاد المصري ومن ثم علي المجتمع بأسره.