تحت عنوان "الرواية العربية إلي أين؟" افتتح ملتقي القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي فعالياته التي تستمر لأربعة أيام، يشارك خلالها 100 روائي من 17 دولة عربية، و150 مشاركا من مصر، يقدمون خلاله أوراقهم البحثية وأعمالهم عبر 40 جلسة، وخمس موائد مستديرة. الدكتور جابر عصفور، رئيس اللجنة العلمية للملتقي، ذكَر الحضور في الجلسة الافتتاحية بأن العام الجاري يوافق مرور 12 عاما، علي اللقاء الأول الذي عقد بمناسبة مرور 10 سنوات علي حصول نجيب محفوظ علي نوبل، لافتا إلي أن عدداً كبيرًا ممن أسسوا الملتقي، وشاركوا فيه، قد انتقلوا إلي رحمة الله، منهم عبد الرحمن منير الذي حصل علي جائزة الملتقي الأول، والطيب صالح الذي حصل عليها في الثالث. قال عصفور: علي الروائيين الصغار أن يكتبوا باطمئنان، وثقة أن وراءهم أجيالا ممتدة إلي منتصف القرن ال19،عليهم أن يضيفوا لها، ويستقلوا ويتميزوا، فثقافتنا كما قال المرحوم أحمد أمين تمضي للأمام، وعيوننا في قفانا، لذا قررنا أن نطرح سؤال المستقبل، في العالم الذي انقلب رأسا علي عقب، نود أن نعرف ما حل بالرواية، و ما الذي يمكن أن يتأثر به هذا الفن في زمن الانفلاتات، بعد أن اشتدت النزاعات العرقية، وتعددت الجنسيات، ورأينا الكاتب الثنائي و الثلاثي اللغة، كأمين معلوف المقروء بالفرنسية، وآسيا جبار، هل نقول أن الأصل في الرواية اللغة؟ أم علينا مراجعة المعايير الجديدة التي طرحها لنا عصر العولمة، ماذا سنفعل مع أنماط الرواية الجديدة التي ستنتشر، لم تعد هناك رواية ورقية إلا في حالات معروفة، فالرواية الآن أون لاين، أصبحنا نري نشرا جماعيا لمؤلفين يجتمعون ويكتبون علي الإنترنت، هذا الزمن الجديد الذي ندخله تبخر فيه كل شيء صلب، لذا علينا أن نبحث حول ما سيكون عليه حال الرواية في المستقبل. وأكمل: خلال اجتماع اللجنة التحضيرية للملتقي، كنا نفكر في بلد عربي وراءه آخر، فوجئنا بتضاعف أعداد الكتاب في كل بلد، وهذا يدل أن هناك حركة صاعدة تتزايد علي نحو مبهر لا يستطيع ناقد بقدرته المعتادة أن يلاحقه. وأضاف: الرواية هي مقاومة لكل أشكال القمع، ومن هنا ستظل قوتها حتي لو حاولت أجهزة الدولة أن تقلل من حجمها، فالواقع الفعلي عبر مبيعات الروايات يؤكد أنها الفن الأكثر مقروئية علي مستوي العالم العربي. الروائية سحر خليفة أكدت أن الوطن العربي بحاجة إلي بوصلة في هذا الزمان، ما هي إلا كتاب مناضلين، قائلة: في زمن القنوات الفضائية والانترنت بتنا نحس ككتاب أن الزمن ما عاد لنا، وأن الكتاب والرواية باتا علي الرف، نحن أيضا أصحاب الفكر والضمائر بتنا علي الرف، لأن الساسة والإعلاميين سرقوا كل الأضواء والناس ملوا منا، ومن الوعود المكتوبة بحلم جميل لا يتحقق. وتساءلت: كيف لنا أن نسترجع القراء، ونعيد البوصلة المفقودة، وإلا سنصبح كالراقص في العتمة، إن كنا الضمير فكيف نبلور هذا الضمير ونرسخه، وعلينا أن نتذكر دائما أن الكاتب هو الضمير المناضل لأجل الخير والبوصلة المفقودة في هذا الجو، وهذا الزمن نحن البوصلة. الدكتور عماد أبو غازي رئيس المجلس الأعلي للثقافة، أكد أن موعد انعقاد الملتقي مقصود ليواكب عام نجيب محفوظ الذي سيستمر لعام وثلاثة أسابيع، سوف يتم ختامه نهاية 2011 بندوة دولية كبري عن نجيب محفوظ. وفي أولي جلسات الملتقي البحثية، وصف الناقد إبراهيم فتحي فعل الرواية بأنه فعل تجريبي بامتياز، وقال: منذ نشأت في منتصف القرن ال20 كان مجال التجريب مفتوحا، ولم يكن أمام الرواية سوي التجريب لتصل إلي شكل تطمئن إليه، لذا إذا ما تأملنا روايات الفترة بين أوائل ومنتصف القرن ال19 نري تعددًا كبيرًا في الأشكال، فمثلا في رواية مثل «لست بإفرنجي» لخليل الخوري عام 75، حتي نهاية القرن ال19 لم يكن عندنا شكل واحد ثابت للرواية، الشكل الثابت لم نعرفه إلا عام 1912 مع رواية «زينب». الدكتور محمد شاهين وصف الرواية بأنها فعل حرية، أما فيصل دراج فتساءل: ماذا تفعل الرواية في بلاد لم تعد فيها حرية؟ وقال: حياد الرواية وهم لا وجود له، لأن الكاتب لا يستطيع التحرر من الواقع الذي ينتمي له، لقد ظهرت الرواية كتعبير عن لغة جديدة تعبر عن مجتمع قومي يريد أن يوطد حاضره ويستعيد ماضيه انطلاقا من الرواية، وانطلاقا من المساواة في اللغة، فالأنظمة البرجوازية أصلحت اللغة، لذا يمكن القول أن الرواية جنس ديمقراطي حديث يقوم بالمتنوع والملتبس، ما يجعل منها نقيضا للتجهم السلطوي، فإذا أخدنا مقولتي المساواة في اللغة، ومشكلة الديمقراطية وقابلنا بها المجتمع العربي سنجد البعد العربي وقد أصبح في إطار الأيديولوجية القومية التبشرية التي لم تأخذ أي شكل مشخص، ونجد أن الديمقراطية بقيت مؤجلة من دولة الاستقلال الوطني منذ الحرب العالمية الأولي، وحتي الآن، لا ديمقراطية، والقومية شيء من البلاغة، ولكن من الغرائب والصدف أن أديب مثل نجيب محفوظ، الذي كان يري أنه من المستضعفين في الأرض، قد حارب الاستبداد بالكتابة، ومن بعده استمر جمال الغيطاني في «الزيني بركات» التي تم فيها الرحيل من الحاضر إلي القرن ال16 الذي تم فيه محاكاة وإنتاج مستبد نموذجي، كذلك الأمر في نجمة أغسطس لصنع الله إبراهيم التي عاد فيها صنع الله للفراعنة وتوقف أمام السجون، والاستبداد التكنولوجي، وقارن مقارنة حزينة بين قوة الفن، وتحويل البشر إلي عبيد، ورخاوة الحياة اليومية وصلابة السلطة، الروايات الثلاث استنفرت كل سيولة الرواية لتواجه سلطة قامعة، استطاعت أن تؤسس مرحلة جديدة فعليا للرواية العربية، واجهت السلطة بالحقيقة، وأسست بلاغة المهمشين المقموعين، أو ما يسمي علم جمال المقاومة في الأدب. وأكمل: الكتاب في ظل هذا الجو العام أسسوا لجماليات الإنسان المغترب التي بدأها نجيب محفوظ أيضا برواية "اللص والكلاب" ومن بعدها روايات كثيرة منها واحة الغروب لبهاء طاهر، حيث التأسيس لمقاومة قتالية، وعلاقة عضوية بين الكتابة الروائية والسياسية، والتاريخ، وتأمل الحياة اليومية انطلاقا بين منظور ديمقراطي يقاوم الاغتراب بأشكال مختلفة، وقد جري توطيد الرواية العربية كجنس ديمقراطي في مصر في الستينيات في عهد نجيب محفوظ ومن بعده الغيطاني وصنع الله ابراهيم، السلطة العربية كمجال أساسي، مفهوم الوحدة والهجرة من زمان قائم لزمان متخيل، والرحلة من المكان القائم لمكان متخيل، وهذا المكان المختلف الذي تتم الإحالة له في الروايات مكان أساسي في أدب المهمشين. وأضاف: مع بداية الألفية الثالثة، بدأت مرحلة من البحث والاكتشاف، وهذا هو ما يميز الكتابة الموجودة التي تدور حول الجسد، والتطرف، وغيرهما، ولكن ما يكتب الآن لا يعطي صورة واضحة إلا في بعض الأعمال ، والحل في التجريب، مادامت مواجهة السلطة كسلطة قد أشبعت فالمطلوب هو التجريب، هناك روايات كثيرة عبرت عن النزوع إلي الكوميديا السوداء، والمفارقة، وصناعة اللغة التامة، والنزوع لها، رأينا المتواليات الحكائية، والمزاوجة بين الفلسفة والأدب، والانجذاب للشعر، هناك تجديد للرواية العربية الآن، ولكن ثمة شرطًا معوقًا، فرغم أنها بالتأكيد ستستمر، إلا أنها ستظل جنسا أدبيا هامشيا. الروائي واسيني الأعرج تحدث عن الرواية العربية ورهان المستقبل قائلا: الكاتب العربي لم يعبر عما يشاء، الأسئلة معقدة والإجابات غير متاحة، هناك ثلة من المشكلات غير المفصولة عن المنتج الروائي: أبرزها أننا نعيش في مجتمع متخلف لم يحقق أي وعد من وعوده، الأمية مستشرية، 70% أميون وال30% الباقية يسيطر عليها ردود فعل جاهزة لا تجعلها تتذوق إلا عبر قنوات بعينها ضعيفة، وضيقة، أضف إلي هذا علاقة القطيعة بين الكتاب والثقافة الشعبية، وهذا يؤثر علي البنية التجديدية، في الرواية، لأنه يعمق القطيعة مع القارئ العام.