ما بأيدينا خلقنا تعساء.. ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم.. بعدما عز اللقاء.. فإذا أنكر خل خله.. وتلاقينا لقاء الغرباء.. ومضي كل إلي غايته.. لا تقل شئنا.. فإن الحظ شاء! هكذا كانت نهاية كلمات قصيدة الأطلال، تلك التي سطرها الدكتور «إبراهيم ناجي» (رحمه الله) ولحن معانيها وكلماتها الموسيقار «رياض السنباطي» (رحمه الله)، والتي تغنت بها كما لم تغن أبدًا كوكب مصرنا الحبيبة والشرق كله السيدة «أم كلثوم إبراهيم» ألف رحمة ونور عليها! تلك الأغنية التي حازت علي صفة (أغنية القرن) أي أنها أجمل الأغاني العربية في مائة عام مضت، وأعتقد مائة عام قادمة، لن نستطيع أن نُحصلْ علي مثل هذا الكَنِزْ الفني والرائع، كما قدمه هؤلاء العباقرة من الفنانين والأدباء المصريين، تلك القوي الناعمة الراقية التي كانت تمتلكها مصر، وتغزو بها قلوب الشعوب الناطقة باللغة العربية. لقد استطاعت الأغنية المصرية أن تكون بمثابة خط الهجوم الأول والوحيد للثقافة المصرية في عالمها العربي. ولا يمكن أبدًا أن يكون أحفاد وأبناء هؤلاء الأجيال من الفنانين والأدباء، هم أنفسهم الذين يقدمون لنا ما نسمعه ونراه ويبكينا بل ويجعنا نخجل أمام أنفسنا قبل أن نكون خجلين أمام غيرنا من الفاهمين أو الناطقين للعربية. ومع ذلك فإن الذخيرة التي نمتلكها من ذلك التراث، والذي تقوم علي بثه إذاعتنا المصرية وخاصة تلك الإذاعة الرائعة (إذاعة الأغاني) وكذلك في بعض المرات التي يخطيء فيها التليفزيون المصري ويقدم سهرة مع فنان راحل التي أتمني أن يزيد من مساحات الزمن المقررة لمثل هذا الزَخْم من الفن الأصيل للمصريين، لعل وعسي! (أعطني حريتي.. أطلق يدي.. إنني أعطيت ما استبقيت شيئًا.. أه من قيدك أدمي معصمي لما أبقيه.. وما أبقي علي)! هذه الأبيات وهي تشدو بها «أم كلثوم»، وكأن الدنيا كلها تقف علي أطراف أصابعها، لكي تلحق بتلك الأيادي المقيدة والدامية من قيود تدمي المعاصِمْ. هذه المعاني التي تنطبق علي حالة عاشقين، هي أيضا تنطبق علي حالة أمة، أو حالة شعب، حينما تنطق «أم كلثوم» بهذه الكلمات في عام 1965 وجدت من يَدَّعِي بأن تلك الكلمات وهذه الصرخْات موجهة إلي النظام السياسي في مصر، من شعب مصر الذي دُمِيَتْ معاصمه من كثرة قيوده، وكذلك رغم كل التعهدات والوعود التي وُعِدوْا بها من حكامهم، إلا أن الحقيقة بأن أغنية «أم كلثوم» كانت كلمات للدكتور «إبراهيم ناجي» الذي غزلها وسطرها ونظمها في حبه الخالد، أو لابنته ووحيدته التي لم تصدق «أم كلثوم» نفسها، وهي تراها لأول مرة، هل معقول أن يكَتُبْ فيك والدِك هذه الكلمات؟، كما جاء في تصريح لها رحمها الله رحمة واسعة!