بعد مضي أربع سنوات علي تسريحه من جيش الدفاع الإسرائيلي قرر العميد احتياط يسرائيل فايس الذي شغل منصب الحاخام الاكبر للجيش خلال عملية الانفصال عن قطاع غزة، كسر الصمت والعزلة باصدار كتاب جديد يكشف تفاصيل مشروع فك الارتباط، من وجهة نظره- بعد مرور خمس سنوات ونصف علي المهمة التي كُلف بها مع وحدته، وتقضي بإخلاء المستوطنات في قطاع غزة، والمقابر في منطقة جوش قطيف. يحمل الكتاب عنوان "بدم قلبي" ويقدم للكتاب نبذة قصيرة عن التحديات التي واجهها أثناء الخدمة. يشرع بعدها في الحديث عن خطة فك الارتباط والانفصال عن غزة بدءًا من خطاب ارئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق في اجتماع هرتسليا عام 1998 - المرة الأولي التي كشف فيها عن خطة فك الارتباط ، وما كابد من تحديات واضطهادات شخصية حتي عام 2008 أي بعد انتهاء العملية بمدة تناهز الأربع سنوات. ويعرج فايس بعد ذلك علي المجتمع الإسرائيلي وما يعتريه من انقسامات حادة، ويقدم لمحة نادرة عن المجتمع الديني، والقومية اليهودية، والأعمال الحاخامية العسكرية وحقيقة هروبه مما أسماه ب "الخطر الحقيقي". إذ يشير بأصابع الاتهام إلي تورط الحزب الديني ، القومي الإسرائيلي في بث الرعب بين المواطنين، بحيث تحول إلي عدو للشعب والمستوطنين، لدرجة وصلت أنه هو نفسه ،لم يكن ينعم بالأمان في بيته. وكم تعرض إلي المضايقات من بعض زملائه الذين يحرصون علي ارتداء الكيباه - القبعة التي تميز المتدينين - فقد كان بمثابة فريسة سهلة بالنسبة لهم في ظل غياب التدين الحقيقي، وإيمانهم بالمعتقدات الصهيونية. فكانوا سببا في حصاره بالمظاهرات المنددة بدوره وواجبه تجاه المستوطنين. وبحسب ما ورد علي لسانه: "بحث المستوطنون عن البطن الأضعف التي يستطيعون نهشها، وكنت أنا تلك البطن". وحذر من تنامي تيار المتدينين الوطنيين، واصفا إياهم ب "جمهور الدم" الذي لا يتورع حتي عن إراقة الدم اليهودي. ثم يقدم المؤلف لسلسلة المشاورات التي أجراها مع حاخامات وبعض القادة الصهاينة، بالتزامن مع تدشين خطة الإخلاء. وكم كانوا يحرضونه علي عصيان الأوامر العسكرية، دون أدني اهتمام للأضرار الاجتماعية والشخصية المترتبة علي ذلك. لهذا لم يكن غريبا أن يعلن فايس ، بعد تهديدات بقتله ، استعداده للتخلي عن الخدمة في الجيش، دون تنفيذ أي أمر يصدر عن قيادة الجيش ويتعارض مع تعليمات الحاخام ابراهام شابيرا ثاني أهم مرجعية روحية للتيار الديني الصهيوني. ولم يغب عن فايس أن يتحدث عن موقف آرئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق، ودان حالوتس رئيس هيئة الاركان في الفترة نفسها. ويصف العميد إحتياط سلوك شارون بالمخيف المرعب، أو بالأحري، كما يقول- "تسونامي بشري يحبط أي شرارة من التمرد"، لدرجة أنه لم يتأثر البته بخبر استقالة صديقه المقرب جدا الحاخام المتطرف عضو حزب المفدال إسحاق ليفي من منصبه كنائب وزير الاتحاد القومي ودعم اتخاذ القرار. أما دان حالوتس فهو يشبه الريبوت إلي حد كبير، خاصة بعد تصريحاته التي قال فيها: "بصفتي رئيسا لهيئة الاركان، فأنا لا استطيع أن أبدي أسفي علي أي من المستقيلين". بعد ذلك يقدم المؤلف نبذة بسيطة عن الإنتفاضة الفلسطينية الثانية -التي اندلعت شرارتها الأولي بالتزامن مع تعيينه كحاخام بالجيش الإسرائيلي- ثم حرب لبنان الثانية وما كان من تصريحاته، بخصوص الحرب- التي اثارت استياء بعض القيادات بالجيش، فكانت سبباً في تسريحه من الخدمة. هذا إلي جانب عدد من القضايا الأخري مثل خطف اللبنانيين، واتفاقية الإفراج عن جثثهم، والمفقودون الإسرائيليون في معركة السلطان يعقوب بين الجيشين السوري والإسرائيلي عام 1982 ، أي بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان أو ما يسمي إسرائيليا بعملية السلام للجليل- حيث تمكنت القوات السورية من السيطرة علي كتيبة "عيرا" الإسرائيلية، التي كانت مكلفة بنقل أحد الألوية من منطقة قرية مشكي إلي مثلث الطرق جنوب نقطة السلطان يعقوب، وكانت الخطة تتركز حول دفع القوات باتجاه طريق بيروت - دمشق أحد الأهداف الرئيسية، لتكشف النتائج عن أخطاء جسيمة أودت بحياة الكثير من الجنود الإسرائيلين، والمحاولات الإسرائيلية لاستعادة أسرارها ورصد مكافآت مالية لمن يقدم معلومات عنهم. عنون فايس الفصل الأخير ب "تم ولم ينته" وصف خلاله المجتمع الصهيوني الديني بعد فك الإرتباط، وكيف كانت صلاته عند حائط المبكي في مارس 2008، بعد عامين من تسريحه- سببا في وضع حد للاعتداءات عليه من جانب المتدينين. كما أنها كانت المرة الاولي التي يشعر فيها بالتهديد، وارتبط المكان الاكثر قدسية لدي الشعب اليهودي في ذاكرته بالألم والركلات والقبضات والخوف الشديد علي حياته والأهم نظرات الإشمئزاز والكراهية في عيون المتدينين، وخيبة امله التي لم يستطع وصف حدود لها تجاه الشباب المتدين في إسرائيل، يقول: "حينها أدركت أن هؤلاء الشباب هم الخطر الاكبر علي مستقبل إسرائيل".