يعد السودان أكبر دولة افريقية من حيث المساحة التي تقدر بأكثر من مليوني ونصف المليون كيلومتر مربع ويقطنها نحو 27 مليون نسمة. وهنالك نحو أربعمائة لغة ولهجة مختلفة موزعة علي 597 عشيرة وجماعات إثنية. وبالإضافة إلي الديانتين السماويتين "الإسلامية والمسيحية" فإن أهلها يعتنقون أيضا ديانات وثنية. والجدير بالذكر أن منطقة جنوب السودان تمثل أكثر من ربع مساحة السودان ويسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة وهذه المنطقة تقع علي الحدود الإثيوبية حيث يحدها من الجنوب كينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو ومن الغرب جمهورية أفريقيا الوسطي. لقد تم التوصل لسلام شامل ووقف إطلاق نار دائم بعد توقيع اتفاقية نيفاشا (2005م) بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية متمثلة في حزب المؤتمر الوطني وبموجب هذه الاتفاقية فإن أهل الجنوب سوف يتوجهون في يناير المقبل إلي صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم ببقاء الجنوب جزءا من السودان أو انفصاله تماما عن الجسد، والسؤال: هل سيتعرض السودان للانقسام أم لا؟ من السهل الإجابة عن هذا السؤال لو تتبعنا تاريخ الصراع بين شمال وجنوب السودان وهو صراع طويل يتضمن أخطاء جسيمة ارتكبها السياسيون عبر السنين ليدفع السودان اليوم ثمن هذه الأخطاء. فمنذ قيام الحركات القومية في الأربعينيات ونشأة الحزبين السياسيين الكبيرين في شمال السودان «حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي» فقد تم تجاهل أصوات الجنوبيين في تحديد مستقبلهم. لقد كان الحزبان يتأرجحان بين القوتين المتصارعتين في السودان: مصر وبريطانيا. فحزب الأمة الذي كانت تباركه الحركة المهدية كان ينادي بضرورة الانفصال عن مصر. أما الحزب الوطني الاتحادي الذي حاز دعم الجماعة الختمية الصوفية التي أسسها محمد عثمان الميرغني فكان ينادي بالاتحاد والوحدة بين مصر والسودان. من الواضح أن السودانيين العرب في الشمال لم يولوا أي اهتمام للجنوب ولم يكن لديهم النية لاقتسام السلطة مع الجنوبيين الأفارقة. من الملاحظ أن جنوب السودان لم يعاني من الإهمال فحسب بل عاني من ويلات الحروب الأهلية قبل وبعد استقلال السودان في عام 1956م. فالحكومات السودانية ظلت تحارب جيش المتمردين من حركة أنيانيا منذ عام 1955م واستمرت الحرب حتي بعد استقلال السودان في 1956م ولم تتوقف رحاها إلا عام 1972م حين أقدم النميري علي توقيع اتفاقية سلام مع الحركة غير أن الاتفاقية كانت محكوما عليها بالفشل لأن الحكومة لم تكن تملك تصورا لمجتمع ديمقراطي يقوم علي التعددية. فالسياسات التي كانت تهدف إلي فرض الثقافة العربية واللغة العربية والديانة الإسلامية علي الجنوب زادت وطأتها مع زيادة التقارب مع مصر والسعودية. وبعد اكتشاف البترول في السبعينيات قرر الرئيس النميري أن يسيطر علي البلاد واختار أن يضع نهاية لاتفاقية السلام حيث اتخذ عدة إجراءات استفزازية ضربت الاتفاقية في مقتل، لقد أعلن أن البترول لن يتم تكريره في الجنوب. كما قام بحل الحكومة المنتخبة في الجنوب وقام بتقسيم الجنوب إلي ثلاثة أقاليم. ولكي ينال تأييد الشعب في الشمال فقد قام النميري في 8 سبتمبر 1983م بفرض الشريعة الإسلامية في كل أنحاء السودان. وكان هذا الإعلان المسمي بقوانين سبتمبر بمثابة انتهاكات صارخة لاتفاقية السلام. لعل كل هذه الخطوات أدت إلي اندلاع الحرب في 1983م حيث تمردت وحدات جيش الجنوب وتسلحت القبائل وشكلت مليشيات تابعة لها وانتهزت إثيوبيا الفرصة لدعم قوات التمرد التي تشكلت منها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق. لقد تحولت الحرب الأهلية إلي جهاد حيث توحدت الجبهات في الشمال وتأججت المشاعر بغرض المحافظة علي وضع الجنوب وثرواته وشعبه تحت السيطرة الشمالية. وقد استمرت الحرب 21 عاما مما كان له بالغ الأثر في انعدام البنية التحتية والدمار والهجرة ومقتل أكثر من مليوني ونصف مواطن جنوبي وتشريد أكثر من 5 مليون آخرين. وما إن حل عام 1986م حتي حدث انقلاب أنهي حكم النميري في السودان لتحل محله حكومة ائتلافية مكونة من الأحزاب في الشمال وبرئاسة الصادق المهدي، المثير للدهشة أن هذه الحكومة انهارت بعد ثلاث سنوات عندما قامت الحركة الإسلامية التي تزعمها عمر البشير والترابي في 1989م بالاستيلاء علي الحكم ثم قامت الحركة بحجب كل الأحزاب السياسية لتتحول السودان إلي دكتاتورية مما حدا بهذه الأحزاب إلي أن تتحالف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لتشكيل جبهة التحالف الوطني الديمقراطي، ولم تتوصل حكومة البشير إلي اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية إلا في عام 2005م التي بموجبها سيتقرر مصير الجنوب في يناير المقبل. من المؤكد أن التجارب الدامية التي عاشها أهل الجنوب سوف تظل عالقة في أذهانهم ووجدانهم ولن تمحوها السنون ولن تزيلها وعود الحكومة السودانية التي باتت مقتنعة بأن الدلائل تشير إلي أن أصوات الجنوب تتجه بثبات نحو دعم الانفصال. أستاذ جامعي