لقد خلط معظم الناس خلطا كبيرا بين الوحي وبين النبوة وبين الرسالة، فنشأت عن ذلك الخلط عقائد فاسدة اجتاحت رؤوس المسلمين فأرجعتهم للجاهلية الفكرية مرة أخري، وقد جاء الخلط بين المعاني الأصلية للمصطلحات الثلاثة نتيجة لغفلة الناس عن تبين كلام الله من أصل اللسان الذي نزل به، وهو لسان قوم الرسول. ولجاءوا إلي رجال الدين والمذاهب وإلي الفلسفات الوثنية، فكانت النتيجة السقوط إلي عمق الهاوية. وإنه لمن المعلوم للقاصي والداني أن الكلمة في اللسان العربي لها أصل واحد، أو أكثر من أصل، وذلك حسب استعمال قوم الرسول للكلمة، إلا أن معظم الناس يحملون أكثر من كلمة علي معني واحد، مما يخرج ببعض الكلمات عن معناها الأصلي الذي اصطلح وتواضع عليه قوم الرسول في كلامهم، ونتيجة لذلك يضيع المعني الأصلي، وتختلط المفاهيم، وتتشابه المعاني، وتنهار الحقيقة. وهذا ما حدث مع كل من كلمة الوحي وكلمة النبي وكلمة الرسول. ونتج عن ذلك أفكار فاسدة وعقائد منحرفة، أوقعت معظم الناس في مآزق فكرية مختلفة ومتناقضة، حول الفرق بين الوحي وبين النبوة وبين الرسالة. أولا النبوة والنبي: يعتقد البعض خطأً، أن المعني الحقيقي والأصلي للنبوة هو نوع من العلم والحكمة يوحي الله به إلي شخص من عباده، وأيضا يعتقد البعض خطأً أن النبي ليس برسول، بل هو شخص من الناس أوحي الله إليه، ولم يأمره بتبليغ ذلك إلي الناس، وأيضا يعتقد البعض خطأً أن كلمتي: النبوة، والنبي، أتتا من كلمة النبأ، التي هي بمعني الخبر. هذه الاعتقادات ليست صحيحة علي الإطلاق، بل هي لغو وخلط في أصل معاني الكلمات، فالبعض يخلط بين النبوءة بالهمزة قبل آخرها، وبين النبوة بدون همزة قبل آخرها، إذ لكل كلمة من هاتين الكلمتين في اللسان العربي أصل ومعني مغاير تماما للكلمة الأخري، بمعني أن كلمة النبوة التي بلا همزة قبل التاء المربوطة، لها أصل ومعني في لسان العرب الذي نزل به القرآن يختلف تماما عن معني كلمة النبوءة التي بها همزة قبل التاء المربوطة، وقد فرق القرآن بين الكلمتين كذلك. وذكر الفرق بين أصل الكلمتين بن فارس في معجم مقاييس اللغة علي النحو التالي: النبوة بدون همزة جاء أصل معناه في اللسان العربي كالتالي: النون والباء والحرف المعتل أصل صحيح يدل علي ارتفاع في الشيء عن غيره أو تنح عنه. ومن هذا المعني الأصلي لكلمة النبوة، نتبين أن النبوة رفعة في منزلة النبي علي بقية الناس، وهي ليست وظيفة، وليست في ذاتها وحيا، كما يظن كثير من الناس. إذن معني النبوة في أصل اللسان العربي هي رفعة لشخص ما، أما النبوات التي أشار إليها القرآن الكريم فهي رفعة لشأن أشخاص لم يبلغوا هذه المنزلة إلا بعلم وحكمة أوحي الله بها إليهم، فلذلك هم يختلفون عن سائر الناس الذين لهم رفعة في الشأن سببها المال أو الجاه أو السلطان، لأن السبب الوحيد في رفعتهم هو الله وليس أي شيء آخر، ولذلك نسبهم الله إليه، وسماهم أنبياء الله، قال تعالي: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِياء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (البقرة - 91) أما الوحي الذي هو العلم والحكمة، فقد أوحي الله به إلي كل الأنبياء والمرسلين بلا استثناء، أما ما يعتقده كثير من الناس خطأً أن هناك أنبياء ليسوا برسل، أو أن هناك رسلا ليسوا بأنبياء، فهو اعتقاد غير صحيح، فإن كل نبي لابد وأن يكون رسولا، وكل رسول لابد وأن يكون نبيا، وبناءً عليه فإن كل نبي هو رسول، وكل رسول هو نبي، ولا يوجد إطلاقا وحسب نصوص القرآن نبي ليس برسول، ولا يوجد إطلاقا وحسب نصوص القرآن رسول ليس بنبي. ومن هنا لابد أن نفرق بين كل من النبوة والرسالة، فالنبوة هي رفعة ومنزلة سامية يرقي بها الشخص الموصوف بها علي جميع الناس برسالة الله وآياته، أما الرسالة فهي وظيفة يقوم من خلالها النبي أو الشخص المرسل بتبليغ رسالة الله وعلمه وحكمته إلي الناس.