لم تبدأ فكرة الفداء في التاريخ الإنساني مع الديانات السماوية، لكنها بدأت قبل ذلك بكثير، فمنذ أن بدأ الإنسان حياته علي الأرض كمخلوق عاقل يفكر تطلع إلي الأخطار التي تحيق به واستطاع بقوة عضلاته أن يهزم الوحوش الكاسرة أو أن يروضها، ويستخدمها سواء في حروبه ضد الأعداء مثل الفيل والحصان والجمل والكلب.. الخ أو في الزراعة والحراسة مثل البقر والجاموس والحمير.. الخ. إلا أنه تعرض لظواهر طبيعية لم يكن يدرك مصادرها أو أسبابها الحقيقة مثل الزلازل والأمطار والرعود والبرق والفيضانات والعواصف الصحراوية. الخ وفي مواجهة هذه الظواهر أرجعها بفكره البدائي إلي قوي أعلي وأقوي منه، بل حولها من ظواهر طبيعية ميتة في حقيقتها أي غير عاقلة لا إرادة لها إلي قوي روحية عاقلة لها إرادة وهذه القوي العاقلة تهاجمه لكي تبيده. وقد اعتبرها قوي شريرة تحاول إيذاءه وتشريده، وهنا بدأ يفكر كيف يتقي شر هذه القوي الشريرة، ومن هنا ظهرت فكرة الفداء وذلك بتقديم ذبائح حيوانية وأخري إنسانية، فإذا قبلت هذه القوي الذبائح سوف تهدأ وتمتنع عن ايذاء الإنسان أو القبيلة وهكذا بدأت الديانات الوثنية بكهنتها الذين غرسوا وعمقوا هذا الفكر، سواء في الممالك الآشورية أو البابلية أو الكلدانية.. الخ. وفي هذه الممالك كان يقدم الابن البكر والحيوان البكر للدرجة التي كان فيها تمثال الإله النحاس المحمي من الداخل حتي الانصهار والذي يمد يديه فيأتي مقدم الذبيحة بابنه الرضيع ويضعه علي يدي التمثال الإله ذبيحاً حتي يرضي الإله. وفي اليونان القديمة ظهرت فكرة الالهة التي تتصارع ولهم حياة موازية لحياة البشر ولهم كبير (زيوس) ومنهم الإله الطيب والإله الشرير، وعندما أدرك إبراهيم الإله الواحد وبدأ علاقة صحيحة معه طلب الله منه أن يقدم ابنه ذبيحة، ثم ظهر الكبش في الصورة من إعداد الله ليعلم الله إبراهيم أنه لا يقبل الذبائح الإنسانية مثل الالهة الكلدانية والذي كان إبراهيم ينتمي إليها من قبل إيمانه. إلا أن الشعب اليهودي الذي آمن بالله الواحد، كانت هناك فترات ارتداد في تاريخه، يذكر العهد القديم في سفر القضاة أن يفتاح وهو رئيس يهودي قدم ابنته ذبيحة لله وكانت عذراء، كذلك الملك منسي قدم أولاده ذبائح لاله الوثن، فقد كان ملوك إسرائيل يتزوجن من بنات ملوك وثنيين ويتأثرون بهم ويبرمون معهم معاهدات إلخ. إلا أن الخط الرئيسي كان عبادة الله (يهوه) الواحد الأحد، وتقديم الذبائح له في الهيكل سواء كانت ذبائح تكفير عن الخطية أو ذبائح شكر، أو ذبائح سلامة تعبير عن المرور في ظروف صعبة ساعدهم الله فيها، وكل ذبيحة لها مواصفات محددة، وهذه الذبائح جميعاً سواء في الوثنية أو اليهودية كانت لارضاء الله، ليحفظهم سالمين أو يغفر لهم خطاياهم، أو ليشكروه بعد مرور الأزمة. ومن الجدير بالذكر أن في مصر كانت أسطورة عروس النيل التي تلقي في النيل حتي يفيض دون أن يدمر، لكن الدراسات العلمية ذكرت أنها لم تكن عروساً بشرية، وأن التاريخ الفرعوني لم يكن به اطلاقاً ذبائح إنسانية وهو ما يدعونا للفخر بآبائنا. ثم جاءت المسيحية لتقدم المسيح الذي أرسل من الله المحب للبشر، ليس لارضاء الآلهة ولا لمنع الكوارث لكن لأن الله يحب الإنسان فأرسل السيد المسيح ليعبر عن فكر الله للإنسان وما يريده منه من حياة التسامح والغفران ورفض العنف بكل أشكاله وهكذا رفضت المسيحية كل أنواع الذبائح القديمة في اليهودية وصار المسيح هو الوسيط بين الناس والله أو الشفيع. أما في الإسلام فقد جاءت فكرة الضحية ليس كذبيحة لغفران الخطايا، وليس مقدمة للتعبير عن الشكر أو عبور الأزمة، لكنها نوع من العلاقة مع الله التي لا تحتاج لتقديم مثل هذه الذبائح وهي نوع من الإحساس والتعاطف. والوحدة بين المسلمين كشعب واحد يقدمون الأضحية لأجل فقرائهم ومعونيهم. ولا شك ونحن نحتفل بعيد الضحية أن نتذكر كل هذه المعاني عن العطاء والفداء والشكر نتذكر ضحايا الفقر في البلدان التي تجتاحها المجاعات ونتذكر ضحايا الإرهاب في العراق وباكستان، ونقدم فكرنا ونفوسنا وجهودنا ووقتنا ذبيحة حب وشكر وعطاء للآخرين ولمصر.