فور ظهور نتائج انتخابات الكونجرس التي خسرها الديمقراطيون وفاز بها الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب- أعلن البيت الأبيض أن هذه النتائج لن تؤثر في السياسة الخارجية الأمريكية، وأنه لا تعديل في هذه السياسة، فالانسحاب المسئول مستمر من العراق والحرب ضد القاعدة في أفغانستان لن تتوقف والعمل أيضا من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط سوف يستمر، وكذلك منع إيران من تملك سلاح نووي. وليس البيت الأبيض وحده الذي يعتقد أن خسارة الديمقراطيين أغلبيتهم في مجلس النواب لن تغير من السياسة الخارجية الأمريكية.. هناك محللون يتوقعون ذلك استنادا إلي أن السياسة الخارجية الأمريكية لا يصنعها البيت الأبيض وحده.. أو حزب بمفرده، إنما تحدد خطوطها الأساسية مصلحة الأمن القومي الأمريكي. لكن ذلك التوقيع يتجاهل التغيير الذي طرأ علي أسلوب الإدارة الأمريكيةالجديدة في عهد أوباما في تناول عدد من قضايا السياسة الخارجية ابتداءً من الحرب علي الإرهاب وانتهاءً بالطريقة الأمثل في التعامل مع إيران.. بمجرد خروج بوش من البيت الأبيض ودخول أوباما مكانه أدي إلي تحديد موعد للانسحاب الأمريكي من العراق وتأجيل أفكار شن حرب علي إيران وتفضيل التحاور معها، والاهتمام بإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي سلما من خلال المفاوضات. صحيح أن أوباما ما زال موجودا في البيت الأبيض ولم يغادره بعد، وأمامه علي الأقل عامان قادمان وربما أربعة أعوام أخري.. إلا أن انتخابات الكونجرس قد أسفرت عن واقع جديد يصعب تجاهل تأثيره سير السياسة الخارجية الأمريكية وأسلوب إدارتها.. فهذه الانتخابات قد أبعدت عن الكونجرس العناصر المعتدلة في كل من الحزب الديمقراطي والجمهوري.. بل إنها فتحت أبواب الكونجرس أمام حركة حفل الشاي الأكثر تطرفًا.. سواء في أمور السياسة الداخلية أو الخارجية.. وسوف يجد الحزب الجمهوري نفسه مضطرا لأن ينحو نحو اليمين أكثر ممالأة ممن ينتمون لحركة حفل الشاي.. أما الحزب الديمقراطي فإن توازنه مسيطر عليه تغيير في ظل غياب نواب له معتدلين. وهكذا.. الاحتمال الأرجح في إضفاء طابع من التشدد علي مواقف واشنطن في سياساتها الخارجية أكثر من ذي قبل.. وأكثر القضايا المرشحة لمزيد من التشدد الأمريكي فيها هي قضية الحرب ضد القاعدة والإرهاب وقضية التصدي لإيران. ويزيد من هذا الاحتمال أن إدارة أوباما لم تنتهج في القضيتين أسلوبًا أو منهجًا يختلف كثيرا عن منهج إدارة بوش الابن.. اللهم إلا إذا اعتبرنا استبدال القاعدة بالإرهاب نوعًا من التغيير.. أي التشدد لنيكون صعبًا علي إدارة أوباما. لذلك..لنا أن نتوقع مزيدًا من التشدد تجاه أفغانستان بل وباكستان.. وهو تشدد قد يؤخر أي احتمالات لانسحاب أمريكي من أفغانستان علي غرار ما هو حادث مع العراق.. بل إننا نسمع الآن أصواتا تطالب واشنطن بأن تمد حربها ضد القاعدة إلي اليمن، وذلك بعد أن وجدت القاعدة في الأراضي اليمنية ملاذا آمنا. ولنا أن نتوقع صدامًا أمريكيا في التعامل مع إيران مع استبعاد احتمالات التوصل إلي تسوية معها تتنازل فيها أمريكا عن مطالبها الخاصة بوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وإخراج كمية كبيرة من اليوارانيوم الإيراني للخارج.