تعيد «روزاليوسف» اليوم نشر المقال المهم لوزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي الذي كتبه لجريدة الواشنطن بوست، المنبر الأشد عنفاً ضد مصر في صحافة واشنطن.. ليس فقط لأن غالبية صحف السبت المصرية تعاملت مع مقال الدكتور يوسف جزئياً وخبرياً أكثر من التزامها بالنص الكامل المهم.. ولكن أيضا كي نشير إلي أن التحركات الواجبة للدفاع عن صورة التغيير والانفتاح السياسي في مصر ينبغي أن تأخذ صوراً جدية وفعالة.. علي طريقة ما قام به الوزير. إن التأخر في التعامل مع ما يرد في الصحف الأمريكية خصوصا، والإعلام العالمي عموما، ليس قدراً لا فكاك منه، كما أن عرض وجهة نظر مصر وقادة الانفتاح فيها لا بد أن يحظي بمساندة مجهودية من أدوات الإعلام المختلفة.. فالساحة في الصحافة الأمريكية حتي إن كانت تتبني وجهة نظر مسبقة.. إلا أنها تتيح للقاهرة أن تعبر عن رؤيتها ووجهة نظرها.. إذا انتبه من هم في القاهرة إلي ذلك. مبادرة يوسف بطرس غالي باعتباره من قيادات أمانة السياسات، ومرشحاً بارزاً علي قائمة الحزب الوطني، وسياسياً ينتمي لعائلة قبطية عريقة، ووزيراً يقود إصلاحاً جوهرياً نابعاً من قلب رؤي الحزب تكتسب (مبادرته) مصداقية مذهلة، خاصة أنه إلي جانب مواصفاته تلك رجل صاحب منصب دولي.. يتمتع بمكانة مرموقة، ولديه القدرة علي الإقناع.. لا سيما أنه يذكر في مقاله هذا حقائق لا تقبل الجدل، ويتعامل مع الصحافة الأمريكية بلغتها.. وتلك هي المواصفات التي لا بد من الاستناد إليها في التعامل مع تلك المنابر في واشنطن. ويكتسب مقال يوسف بطرس غالي أهميته من أكثر من نقطة موضوعية بخلاف صفاته الشخصية والسياسية، ومنها أنه مكتوب بمنهج متوازن ومبني علي المنطق الذي تتفهمه العقلية الحاكمة في مجتمع واشنطن السياسي، وأن لغته واضحة ومستندة إلي أرقام معلنة، وأنه يؤكد طبيعة الدور الريادي لمصر إقليميا في تفعيل حركة الانفتاح السياسي وقيادة الليبرالية الاقتصادية في الشرق الأوسط، دون أن يتجاهل المعوقات أو السلبيات التي لا يمكن أن نتغافلها. لقد تبنت جريدة الوفد أمس عنواناً مثيراً في تقريرها عن المقال، حين أشارت إلي أن وزير المالية يستخدم فزاعة الدولة الدينية لتخويف الأمريكيين، والواقع أن هذا المنهج من قبل الوفد يبدو غريبا في ضوء أنها تعبر عن حزب لا يؤيد مشروع الدولة الدينية، وفي ضوء أن هذا المشروع الأسود هو خطر حقيقي يلاحق مستقبل السياسة في مصر.. والأهم أن من الطبيعي أن يكون الوزير الذي كتب أنه ينتمي إلي الطائفة المسيحية الأكبر في الشرق الأوسط لا بد أن يكون مشغولاً بمستقبل مصر وتهديد هذا المشروع وتحدياته.. وهو بالتالي يبدو صادقاً مع نفسه تماما. بني يوسف بطرس غالي مقاله علي الحقائق الاقتصادية، ممزوجا بالتحدي الناتج عن تحقيق الانفتاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي المثمر والمستمر، كما أنه انشغل في مضمونه بأبعاد الانفتاح الإعلامي، لكنه لم يستطع أن يتجاهل أبداً الخطر المحدق بمشروع الدولة المدنية المصرية.. المتمثل في منهج الملالي.. الذي قد يقود مصر إذا وقع لا قدر الله إلي أن تصبح من الدول المارقة.. وتلك هي اللغة التي تفهمها واشنطن وينبغي مخاطبتها بها. لماذا؟ لأن بعض السياسيين في واشنطن يفتح كتاب مقاييس الديمقراطية الذي يعتقدونه منزلا، فإذا ما رأي أن هناك خروجا بسيطا أو بعيداً عنه، فإنه يبدأ في تقييم عملية الانفتاح والتغيير المصرية سلبياً.. دون إدراك لبقية الحقائق الموضوعية والتحديات المذهلة، ومن ثم فإنه لابد ألا يترك هؤلاء الناس في سذاجتهم الفطرية.. ومن الواجب أن يلاحقوا بشكل مستمر بما ينبغي من توضيح الحقائق.. والتسويق الدائم لمشروع الإصلاح في مصر.. إن التسويق الدائم إنما يقلل من تأثير هذا الانتقاد الأمريكي الإعلامي المتكرر واللائم. من الواجب أن نبني علي هذه الخطوة إعلاميا، وألا يكون مقالاً وانتهي الأمر، وأعتقد أنه من الواجب نشر ثلاثة مثله علي الأقل في مختلف الصحف الأمريكية خلال الأسبوعين المقبلين.. وأظننا نحتاج إلي مقال يشرح تفصيلاً طبيعة نظامنا الانتخابي ودور اللجنة العليا للانتخابات والمجلس القومي لحقوق الإنسان فيه.. كما أعتقد أننا بحاجة لنشر مقال آخر عن طبيعة التهديد الذي يمثله مشروع الدولة الدينية لمستقبل مصر والسلام في الشرق الأوسط.. والأهم مقال عن طبيعة دور المؤسسة الأمنية في الدولة المصرية، تلك التي يسوق ضدها علي أنها من أدوات الديكتاتورية بينما هي أهم ركائز حماية الديمقراطية والحفاظ علي مقومات الدولة المدنية المصرية.. بالقانون. أياً ما كان حجم الانتقادات في الصحافة الأمريكية فإن علينا أن نتحرك.. الساحة مفتوحة وإن احتاجت إلي بذل الجهد. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]