لا شك أن الوقت قد حان وبدأت الصراعات الانتخابية علي مقاعد البرلمان، ومع بداية سخونة هذه الصراعات التي هي أشبه بالألعاب الاستعراضية الغريبة كالمصارعة الحرة للمحترفين تجد نفسك أمام مرشح ذي شأن ثم لا يلبث أن ينافسه مرشح مغمور قاب قوسين أو أدني من الفوز بالمقعد، المهم أن الوقت الآن غير مناسب في تصحيح مسار تلك اللعبة السياسية كما يسميها البعض وهي فعلاً كذلك، لكن لا مانع أن أعبر عن بعض النظرات تجاه هذه اللعبة التي نضيع فيها أوقاتاً وأموالاً وربما نفوساً إضافة إلي ما تتركه هذه اللعبة السياسية من آثار نفسية سيئة علي مستوي الأفراد والجماعات تؤدي إلي تمادي الحقد والغل والحسد في النفوس. أولاً: كيف يتحقق لدينا برلمانٌ نزيهٌ قوي يؤدي ما عليه من مهام؟ الإجابة علي هذا التساؤل متشعبة، وكل له وجهة تبعاً لموقفه من النظام الحاكم في مصر، ولكن هناك ملاحظة هامة جداً: من الذي سيصوت في الانتخابات؟ ما هي مؤهلاتهم وما هي ثقافتهم وما هي حدودهم الدنيا من العلم والخبرة؟! الواقع يشهد والإحصائيات الرسمية تعلن أن مستوي الأمية في بلادنا يكاد يتجاوز الخمسين في المائة، إذن فنحن أمام نصف أصوات الناخبين لا يقرأون ولا يكتبون، بدليل أن الجهات المسئولة عن الانتخابات توزع علي الناخبين قائمة برموز مصورة ليختار الناخب الصورة التي يريدها لأنه لا يقرأ ولا يفرق بين أحمد ومحمود وإنما يفرق بين صورة النحلة وصورة المنجل فيعلم علي الصورة المطلوبة سواء بإرادته الواعية أو بإملاءات معينة، هذا بالنسبة لنصف عدد الناخبين فإذا جئنا إلي النصف الآخر: كم نسبة المثقفين منهم وكم نسبة أصحاب الوعي فيهم علميا وسياسياً واقتصادياً؟ فلو قلنا: إن نصفهم عنده هذا الوعي لصرنا أمام ربع الناخبين هو الذي يختار بأهلية معقولة، إذن نحن أمام ظاهرة عجيبة كظاهرة أصحاب الصوت الأجش ومجموعة الألوان غير المتناسقة يعبر عنها ملبس معين، ومع ذلك تتهافت عليه آلاف بل ربما ملايين من الناس لتستمع لهذه الأصوات النشاز كلون من ألوان العفن الفني. إذن لماذا نصرخ؟ ولماذا نتعجب؟ ولماذا نستنكر؟ حينما تظهر في البرلمان ظاهرة نواب القروض ونواب الحشيش ونواب السمسرة ونواب العلاج، فهذه المظاهر البرلمانية نتيجة طبيعية لاختيار جماهير أمية تعطي صوتها لصورة المنجل أو الكرسي. إن تصحيح مسار لعبة الانتخابات لابد أن يبدأ بمحو أمية الناخبين وألا تصدر بطاقة انتخابية إلا لمن يحمل مؤهلا دراسياً لا يقل عن الإعدادية ولا أقول مؤهلاً جامعياً، وإلا فكيف تعطي البطاقة لأي فرد عن سن معينة دون اعتبار لعلم أو أهلية؟! إن أعضاء البرلمان بوضعه الحالي منوط بهم التصويت علي قوانين تمس صميم المجتمع في الحال والمآل قوانين تخص شئوناً عسكرية وأخري سياسية وثالثة اقتصادية ورابعة تعليماً وبحثاً علمياً أكاديمياً ... ألخ فكيف يصوت علي هذه الأمور العظمي من يشترط في حقه أدني الشهادات ألا وهي شهادة محو الأمية؟ والحصول عليها سهل ميسور ولو مع الأمية. إذن لابد من النخبة المثقفة في مصر وكذلك النخب العلمية والشرعية أن تبحث عن منظومة تُعَدِّل من هذا الوضع فيما بعد. فإذا جئنا إلي نسبة الخمسين في المائة عمال وفلاحين نجد العجب، والتساؤل والدهشة لماذا يكون مصير القوانين البرلمانية في يد طبقتين تنتشر فيهما الأمية أكثر من غيرهما؟ لماذا لا يمثل الفلاحين ابن الفلاحين المثقف؟ أي يرشح الفلاح الحاصل علي دبلوم زراعة أو بكالوريوس زراعة أو طب بيطري أو اقتصاد، وكذلك لماذا لا يشترط في العامل المرشح أن يكون حاصلاً علي دبلوم فني صناعي أو هندسي أو معماري ... إلخ بل ما هي الحاجة لهذه النسبة وقد شمل التعليم كل الفئات المصرية؟ فالأستاذ الجامعي الآن ابن القرية أكثر من ابن المدينة والقائد العسكري من أبناء القرية أكثر من أبناء المدينة وهكذا فكل الوظائف العليا الآن يتقلدها كثير من أبناء القرية فمثلاً أذكر أن د.مصطفي الفقي علي سبيل المثال وقد ترقي في السلك السياسي إلي أن وصل إلي سكرتير الرئيس للمعلومات هو ابن قرية طربمبا مركز دمنهور بل رئيس الدولة نفسه الذي كان قائداً عسكرياً لسلاح الجو في حرب رمضان ونائباً لرئيس الدولة ثم رئيساً لها هو ابن قرية كفر مصيلحة بالمنوفية؛ إذن فالفلاحون والعمال صاروا خلال نصف قرن تقريباً أهل الحكم والوظائف العليا فلماذا نحرص علي تخصيص خمسين في المائة لهما في المجالس النيابية؟ ولنعطي مثالاً عملياً واقعياً يدل علي اختلال المفاهيم والموازين في العملية الانتخابية ففي الإسكندرية مرشحان هما لواء محمد عبد السلام المحجوب ود.مفيد شهاب لو كان فعلا هناك وعي انتخابي وشعبي لحصل هذان الرجلان علي المقعدين بالتزكية لماذا؟ ليس لأني من أنصارهما أو من أصهارهما بل علي العكس هم بالإسكندرية وأنا من دمنهور ولا نسب ولا مصاهرة ولا علاقة بالمرة بهما وإنما أتباحث في عقلية منظومة الانتخابات الحالية. فالمحجوب كانوا يسمونه بالإسكندرية المحبوب حينما كان محافظاً لها بسبب النقلة الحضارية التي شهدتها الإسكندرية في عهده فأقل واجب تجاه هذا الرجل أن يسمو المنافسون عن أي صراعات حزبية ويعترفوا بما يجب أن يكون لحق هذا الرجل علي شعب الإسكندرية فتخلو له الدائرة بالتزكية. أما د. مفيد شهاب فهو أحد جنود السياسة في مصر في محادثات طابا وأقل عرفان لهذا الرجل أن يحصل علي المقعد بالتزكية وهكذا مع كل مرشح فيه من المميزات ما يتفق عليها الجميع حينئذٍ نكون قد وصلنا إلي نضج سياسي مميز في العملية الانتخابية أما ما هو قائم فالأمر محزن حقاً.