حسب النتائج المعلنة حتي هذه اللحظة في الانتخابات الأمريكية، لم ينجح أي مرشح مستقل عن الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي في انتزاع أي من مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، رغم وجود بعض المرشحين الأقوياء منهم حاكم فلوريدا السابق الذي ترشح مستقلا، بعد أن فشل في الفوز بثقة حزبه لصالح مرشح شاب ينتمي لتيار الشاي الأكثر يمينية داخل الحزب الجمهوري. أما الأحزاب الأخري الصغيرة في الولاياتالمتحدة وهي بالعشرات فلم تسجل أي تواجد يذكر، ليس فقط في عدم فوزها بأي مقعد، وإنما حتي في عدم حصول المرشحين علي نسب كبيرة من أصوات الناخبين. هكذا بدا المشهد السياسي في الولاياتالمتحدة، وهو تقريبا الشكل المثالي للعمل السياسي الحزبي النيابي، حيث تشكل الأحزاب القاعدة الأساسية لصراع الأفكار، وطرح الوجوه السياسية، ومن ثم فإن المنافسة غالبا ما تنحصر بين مرشحي حزبين أو ثلاثة يتناوبون الحكم. في مصر يختلف الوضع كثيرا، فلا تزال فكرة المرشح المستقل غير المنتمي إلي أي حزب واضحة بشكل كبير في المشهد السياسي، ولا يزال المرشحون المستقلون الذين يخرجون عن الالتزام الحزبي يشكلون رقما مهما في الحياة السياسية، حتي أن الحزب الوطني اضطر إلي استعادة من نجح منهم في الانتخابات الماضية للحفاظ علي أغلبيته البرلمانية. ولا تكمن المشكلة في الناخبين الذين يصوتون لنوابهم بشكل شخصي، ووفقا لارتباطات عائلية أو قبلية، أو حتي مهنية، أومناطقية، وإنما في أن الأحزاب السياسية دون استثناء فشلت طيلة أكثر من ثلاثين عاما في فرض حضورها القوي علي الساحة، بحيث تغير من قواعد التصويت في مصر، وتجعله قائما علي أساس حزبي سياسي برامجي، وليس علي الولاء القبلي أو مقدار الخدمات التي يقدمها النائب لدائرته. صحيح أن الدائرة الانتخابية في الانتخابات الفردية تفرض مشاكلها في الانتخابات في أي مكان في العالم، لكن مثل هذه المشاكل المحلية تظل دائما عنوانا فرعيا، بينما تظهر عناوين أخري قومية تحدد اتجاهات الناخبين ومزاجهم التصويتي. ففي الانتخابات الأمريكية كان الاقتصاد هو العامل المشترك في خمسين ولاية أمريكية، واختلفت اتجاهات التصويت بين الجمهوريين والديمقراطيين في ضوء رؤية جماهير كل حزب للأداء الاقتصادي للحكومة، والبرامج المطروحة لمعالجة الخلل القائم في البنية الاقتصادية الأمريكية، فالجمهوريون وبعض الديمقراطيين صوتوا ضد الحزب الديمقراطي بسبب البطالة وتراجع فرص العمل، بينما الجماهير الديمقراطية التي حافظت علي تصويتها التقليدي لحزبها اعتبرت أن الرئيس باراك أوباما أنجز في هذا الملف الكثير حتي ولو لم يستطع الترويج لسياساته. في مصر ما هو العنوان الرئيسي للانتخابات المقبلة؟.. وهل السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة ستلعب دورا حاسما في اتجاهات الناخبين؟.. أشك كثيرا في هذا الأمر!!