أصبح خبراً يكاد ينشر بصورة دوية في الصحف ثم تبدأ برامج الفضائيات متابعة تداعياته: "القبض علي مركب صيد مصري في المياه الإقليمية لدولة أخري" قد تكون هذه الدولة الصومال أو جيبوتي أو اليمن أو تونس أو ليبيا أو حتي تركيا، لا فارق، المهم أن المركب مصري وأن الصيادين مصريون. قد ينتهي الموضوع سريعاً كما حدث من قبل حين أطلقت تونس الصيادين المصريين ومركبهم كبادرة علي حسن النوايا بعد اعتداءات جمهور فريق الترجي التونسي علي رجال الأمن في استاد القاهرة، وكذلك حين أطلقت تركيا هذا الأسبوع مركبا مصريا كان علي متنه 7 صيادين وحرصاً علي العلاقات "الودية" بين البلدين. أما علي الجانب الآخر فإن الأمر عادة يختلف فهناك قراصنة وحكومات ضعيفة أو مهترئة فيأخذ الأمر وقتاً طويلاً، فالأسري من الصيادين يقعون في أيادي من لا يرحم ومن يحتاج الي الأموال، حتي لو بالقرصنة أو الإرهاب. ورغم تكرار حوادث "الأسر" وسقوط "المراكب" فريسة للقراصنة إلا أن الصيادين المصريين مصرون علي الذهاب بعيداً، والصيد في المياه الإقليمية لدول أخري و"سرقة" سمكها، ما يشير إلي أن الأمر يحتاج الي المخاطرة وربما التضحية علي أساس أن "محدش بياكلها بالساهل". ورغم المناشدات المتكررة والتي تطلقها وزارة الخارجية للصيادين المصريين بضرورة التزام القانون الدولي واتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار وعدم الدخول في المياه الإقليمية للدول الأخري بطرق غير شرعية وعدم الصيد بدون تراخيص حتي لا يتعرضون للعقوبات المنصوص عليها في قوانين الدول الأخري إلا أن الصياد المصري "أذن من طين وأخري من عجين" ويخرج من داره وهو مستعد أن يقل مقداره في بلاد لديها أسماك!!. يعاند الصياد المصري نفسه ويذهب إلي حيث يمكن أن يتحول إلي "أسير" من أجل "لقمة العيش" دون أن يفكر ما إذا كان دخله جراء سرقة أسماك الغير حلالا أم حراما؟ بل ربما يعود شاكراً مهللاً لأن الله "جبره" وأعاده إلي بيته ومعه رزق واسع!!. مؤكد أن مشاهد أهالي الصيادين المحتجزين في الصومال أو جيبوتي أو أي دولة أخري "تقطع القلوب" ودموع ابنائهم وبناتهم تثير التعاطف والشفقة لكن تلك قصة أخري، والقصة الأساسية هي: أين السمك المصري؟ ومنذ أن كان العبد لله في "كي جي وان" أعرف أن من بين مزايا موقع مصر الجغرافي أنها تطل علي بحرين في حين أن هناك دولا أخري بعيدة كل البعد عن البحار، وأن نهر النيل يشق أرضها ويقسمها إلي قسمين، وأن المصريين رغبة منهم في مزيد من الحميمية التصقوا بالنهر وعاشوا حوله ورفضوا الابتعاد عن مياهه المليئة بالأسماك!! ومنذ احتلال الهكسوس لمصر ظلت الحكومات والنخب والمحللون وأساتذة الاقتصاد المنزلي وخبراء الغذاء البشري والحيواني يرددون كلما ارتفعت أسعار اللحوم أو ضربت الانفلونزا أو حتي الكوليرا الدواجن أن الحل في الأسماك، وهم قصدوا دائما الأسماك المصرية وليسا أسماك الصومال أو جيبوتي أو تركيا. مرة أخري أين السمك المصري؟ يقولون إننا لوثنا سواحلنا وإن المخلفات الصناعية قضت علي السمك والجمبري وباقي المخلوقات البحرية في غالبية بحارنا وإن التلوث الناتج عن سوء التعامل مع السواحل أجهز علي ثروتنا السمكية، وأن سواحلنا أصبح السمك الداخل إليها مفقودا والخارج منها مولودا، وأن بعض الصيادين يستخدمون طرقاً غير قانونية للصيد مثل التفجير أو التسميم لحصد كميات هائلة من الأسماك بنفقات أقل ودون مجهود كبير، لأن "الحيتان"من أباطرة الصيد ليس لديهم وقت للعمل أو رغبة في الكسب الحلال، وأننا تركنا التماسيح تنمو وتتوحش في بحيرة ناصر حتي أصبح كل تمساح يلتهم في الوجبة الواحدة كميات هائلة من الأسماك دون أن يترك لبني البشر من الصيادين كيلو مشوي أو مقلي. أخيراً إذا كان الشباب المصري يسعي إلي الهجرة إلي الخارج ويفضل الموت علي الشواطئ الأوروبية علي العيش في البلد فهل يبقي السمك