يأتي القرار الجريء والحاسم للسيد أنس الفقي - وزير الإعلام بوقف فضائيات الدجل والشعوذة والفتن الطائفية - ليعيد الأمور إلي نصابها، ويصحح أخطاء، بل خطايا وكوارث ثقافية قامت بارتكابها هذه الفضائيات التي تضاعفت وتزايدت أعدادها في السنوات الأخيرة، كما تزايد دجلها وعبثها بالعقل المصري والعربي، بما تقدمه من مواد إعلامية وإعلانية مثيرة للفتن الطائفية والمساس بالعقائد والأديان، والتشكيك فيها، ولم يقف الأمر عند حد إثارة الفتن الطائفية والنعرات العصبية بين أصحاب الديانات المختلفة، بل بين أصحاب الدين الواحد، كما حدث من هجوم قنوات شيعية علي أهل السنة، بل سب ولعن الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، وفي المقابل هناك القنوات السنية التي باتت هي الأخري تهاجم الفكر الشيعي. ولا يقل خطورة عن هذه الأمور، تلك الفتاوي التي يطلقها أصحاب الذقون الطويلة، والمسابح المدلاة، ومعظمها يدخل في باب الخرافة، والدجل، وقائمة هذه الفتاوي طويلة، بل مثيرة للاشمئزاز والخجل، وهل هناك بين شدة الاشمئزاز من الفتوي حول وضع المرأة عارية أمام الكلب الذكر، ونقض وضوء الرجل إذا ما جلس علي مقعد كانت تجلس عليه امرأة قبله، وأن إطالة الذقون تزيد من القدرة الجنسية، ويرتبط بهذا تحريم مهنة الحلاقة لما تقوم به من حلاقة هذه الذقون، وليس ببعيد فتاوي إرضاع الكبير، والتطهر ببول الرسول - عليه الصلاة والسلام - ناهيك عن تحريم الاستمتاع بالفنون، وتحطيم التماثيل الفرعونية باعتبارها عملاً وثنيًا. ناهيك عن الانشغال بقضية «النقاب» وعشرات الفتاوي حوله، بل اختراق الحجاب والنقاب لمؤسسات وهيئات يعد العمل الفني من صلب أعمالها، فازداد التحريم لكل ما هو عمل فني وإبداعي والفن التشكيلي، ومع ازدياد ثقافة التحريم باتت هذه المؤسسات، والمتاحف والمسارح تعاني ضعفًا واضحًا في العمل بها أو زيارتها. وكلها تشكل مخاطر ثقافية تهدد الذوق والإبداع، وتقدير الفنون، وحضارة الأمة. غير أن البلاء يتزايد بانشغال فضائيات الفتنة والتدخل بأمور الطب لا بمفهومه العلمي، وإنما بالمفهوم البدائي، الذي هو الجدل والشعوذة، وذلك عن طريق السحر والجن والعفاريت، والأعشاب والمستحضرات الطبية التي لابد لتفعيلها من أن يرتشف منها أصحاب الذقون الطويلة، لتحل فيها البركة، والإعلان عن هذه المستحضرات عن طريق الإباحية والمسابقات المضللة. والخطير في كل هذا أنه يتم تداوله باسم الدين الإسلامي، وهو منها براء، بل هو دين العقل وأسمي ما فيه هذه القيمة، وعلي الفور نقول: إنه الرغبة في المزيد من الربح، والمزيد من تدمير العقل المسلم، والعمل علي تهديد ثوابت الأمة، هي الأجندة التي تعمل من خلالها هذه الفضائيات. وهنا وبعد أن تم إيقاف هذه الفضائيات بالقرار الحاسم لوزير الإعلام، يأتي دور وزارة الثقافة في ملء الفراغ الذي تحدثه هذه الفضائيات، فمعروف أن هناك تزايدا في الإقبال عليها من جانب الفئات محدودة الثقافة، والذين يعانون الأمية، وفي المناطق المحرومة ثقافيًا، في القري والكفور والنجوع، وبالتالي فإن إيقاف هذه الفضائيات سيخلق فراغًا لدي المشاهد، وهنا وعلي وزارة الثقافة استغلال هذا الوضع وملئه بثقافة الاستنارة، من خلال القوافل الثقافية التي تجوب القري والكفور والنجوع، والمناطق العشوائية. كما تقع المسئولية أيضًا علي المؤسسات الدينية وفي القلب منها الأزهر الشريف المعروف بوسطيته، وعلي وزارة الأوقاف وترشيد الخطاب الديني لدي الدعاة وأئمة المساجد. ومن قبل ومن بعد يأتي دور المؤسسة التعليمية التي تقع علي عاتقها مسئولية بناء البشر، منذ نعومة أظفاره حتي سنوات الرشد والشباب، فإنه يجب عليها تكريس ثقافة العقل والاستنارة من خلال مناهجها وتعليمها، وحماية المؤسسة التعليمية من اختراق ذوي الفكر المتطرف، والجامد المتخلف. باختصار القضية ليست مسئولية وزير الإعلام فقط وإنما مسئولية كل الوزارات المعنية ببناء الإنسان، وتكريس ثقافة الاستنارة بمفهومها الواسع والشامل، وفي كل المواقع. وحمي الله مصرنا الحبيبة من دعاة الفتنة، الدجل والشعوذة، لأنها مصر التاريخ والحضارة والاستنارة. * أستاذ جامعى