تخيل أنك تجلس وحدك في مدرج كبير لتتلقي محاضرة.. أو أن زملاءك في الدفعة 6 طلاب أو 8 أو 17 علي الأكثر.. وتخيل أيضا أنك تتلقي المحاضرة في مكتب أستاذك بالجامعة.. كل هذه التخيلات وجدتها «روزاليوسف» واقعاً في عدد من كليات جامعة القاهرة.. قصص وأحلام وإحباطات وأرقام قياسية.. كانت وراءها «سنة الفراغ» في جامعات مصر هذا العام.. اختفت ثقافة الزحام والتكدس، ليعاني طلاب الفرقة الأولي أعراض «الوحدة والفراغ».. إلي التفاصيل.. لم تتوقع «شروق عبيد» أن تكون الطالبة المستجدة الوحيدة بالفرقة الأولي بكلية التربية النوعية «قسم الموسيقي» رغم علمها أنها في «سنة الفراغ». وكما روت لنا.. كانت المفاجأة صدمة.. فقد عانت من الوحدة.. وبعد أسابيع من الدراسة انضمت لها بالقسم طالبة وافدة من سلطنة عمان «سالمة نايل» لتصبح رفيقتها الوحيدة.. «شروق» مازالت تشعر بالوحدة.. فهي لا تري سوي 3 زملاء فقط ممن لديهم مواد رسوب من السنة الماضية البالغ عددهم 20 طالبًا، ومع ذلك تحضر شروق معظم المحاضرات منفردة. إحباط شديد الأساتذة بالقسم يعرفون شروق بالاسم إلا إنها غير متفائلة وتشعر بالاحباط الشديد، وعندما قلت لها أن فرصتها في التميز بالكلية حال تفوقها أكيدة.. أجابت: «إذا نجحت أصلا» فالدراسة تبدو صعبة والمواد كثيرة وخاصة أنني لا أحب الموسيقي ودراستي لها بناء علي رغبة والدي فقد تقدمت «شروق» قبل دخول الكلية إلي امتحان قدرات كلية التربية الرياضية ونجحت به إلا أن والدها رأي أن هذه الكلية لا تناسب البنات وأصر علي استمرارها في دراسة الموسيقي خاصة عندما علم أنها المستجدة الوحيدة في القسم. ومما يزيد ضيقها أنها شخصية اجتماعية - كما تقول - عن نفسها وتمنت دخول كلية يكون بها عدد كبير من الزملاء وهو ما يدفعها لحضور محاضرات في أقسام أخري حتي تأنس بالزميلات والزملاء وتكون صداقات معهم وخاصة أنها تري أن قسم الموسيقي منعزل إلي حد ما عن باقي أقسام الكلية حتي طلبة الفرقة الثانية بالقسم منغلقون علي أنفسهم. الدراسة بشكل أفضل وعلي عكس ما تشعر به شروق من صعوبة الدراسة يؤكد الدكتور خالد حسن - رئيس القسم - أن دراسة الموسيقي سهلة جدًا بالنسبة للطالب الموهوب الذي لديه الرغبة ويريد ثقل موهبته بالدراسة وفي العادة يصل متوسط الدفعة بالقسم إلي 40 طالبًا وطالبة، يجتازون اختبارات قدرات للقبول. وتشمل الدراسة بالقسم مواد نظرية وعملية وغالبًا ما ينجح الطلبة في الجانب العملي ويرسبون بالنظري لأنهم يحبون الموسيقي واستخدام الآلات دون الدراسة النظرية كما يقول رئيس القسم بالكلية. شروق ليست وحدها التي تعاني من «الفراغ» ففي كلية رياض الأطفال لم يلتحق بالفرقة الأولي سوي 8 طالبات فقط بالإضافة إلي 17 طالبة من الراسبات العام الماضي. إسراء حسني - مستجدة بالفرقة الأولي فضلت التحويل من كلية الفنون الجميلة إلي رياض الأطفال رغم حصولها علي مجموع 85% بالثانوية العامة مما يمكنها من دخول كليات أخري، إلا أنها مع «سنة الفراغ» والعدد المحدود بكلية رياض الأطفال وجدت فرصة أكبر أمامها في تعيينها معيدة بالجامعة بعد تخرجها مع سهولة الدراسة وحبها الشديد للتعامل مع الأطفال. إسراء تعتبر نفسها محظوظة جدًا لكونها لم تتوقع أن تكون دراستها الجامعية مميزة إلي هذا الحد فعدد زملائها بالمدرسة كانوا أضعاف العدد الموجود بالكلية وتشبه «إسراء» دفعتها بالدرس الخصوصي. ومع العدد المحدود لطالبات الفرقة الأولي التي تبدأ محاضراتها في تمام التاسعة صباحًا، يتلقي الطلبة المحاضرات في المكتب الخاص بأستاذ المادة! التفاعل مع الأساتذة ثقافة المكان جعلت نورا أشرف - تستوعب المحاضرات بسهولة وتشعر أن هناك تفاعلاً أكثر بينها وبين زملائها وأستذتها حيث يقومون بإجراء الأبحاث العملية بشكل مشترك كمجموعة واحدة وتتم مناقشة كل معلومة به تفصيليا وهناك توجيه مباشر من الأساتذة. الدكتور مصطفي النشار - عميد كلية رياض الأطفال يري أن العدد القليل المتواجد بالفرقة الأولي نتيجة لسنة الفراغ فرصة لبعض الأساتذة لالتقاط الأنفاس حيث كانت الدفعات السابقة بالفرقة الأولي لا تقل عن 500 طالبة، كما يراه فرصة للطلبة للتفاعل المباشر مع الأساتذة. كلية طب البيطري يصل متوسط الفرقة الأولي بها إلي 400 طالب وتصل أحيانًا إلي 900 طالب لم يتجاوز عدد المستجدين بها هذا العام 6 طلبة. من هؤلاء المحظوظين هبة الله محمد التي اعتبرت أن هذا العدد المحدود في كلية مثل الطب البيطري بمثابة معجزة يحسدون عليها. في أول يوم دراسة عادت هبة إلي المنزل وراجعت محاضراتها علي الفور نتيجة لإحساسها بسهولتها رغم أنها كانت تتمني أن تلتحق بكلية طب الأسنان أو الصيدلة، وتقول: شعرت بالضيق في البداية ولكن سرعان ما تبدل هذا الشعور عندما ذهبت إلي الكلية وعرفت جيدا قيمة العدد المحدود، وأنني سأقضي سنوات دراستي بالكلية في دفعة مميزة للغاية لن تتكرر ثانية. الشرح والتوضيح الدكتور مصطفي بسطامي، عميد كلية الطب البيطري، أبدي دهشته من عدد المستجدين، حيث لم يقل عدد الدفعات في السنوات الماضية عن 400 طالب.. وقال: إن الفرقة الأولي باستمرار تستحوذ علي اهتمام ومجهود كبير من جانب الأساتذة للشرح والتوضيح، خاصة أن نظام الدراسة بالكلية يعتمد علي التسجيل بنظام الساعات المعتمدة.. ومع قلة العدد ستكون هناك فرصة أكبر لعمل ترميمات وإصلاحات بمعامل الكلية والوسائل التعليمية بها، وإضافة كل ما هو جديد. ويتوقع الدكتور ربيع فايد، أحد أساتذة الكلية، أن الطبيب البيطري خريج هذه الدفعة سيكون مميزًا في عمله، حيث إن هذه السنة ستكون بمثابة تجربة للقائمين علي العملية التعليمية بالكلية في تنفيذ طموحاتهم وإعطاء أقصي ما لديهم فعدد أعضاء هيئة التدريس الذي قد يصل إلي 40 عضوًا يعد أكثر من عدد الطلبة بالفرقة الأولي. طالبة في حقوق فرنساوي لم يختلف الوضع كثيرا بكلية الحقوق (قسم فرنساوي) عن باقي الكليات ذات العدد المحدود من الطلبة المستجدين فهناك طالبة مستجدة واحدة فقط من خريجي الثانوية العامة و9 آخرون من خريجي المدارس الدولية. في هذا القسم تحاول المستجدة الوحيدة ياسمين أحمد تحقيق حلمها في الالتحاق بجامعة «السربون» بفرنسا وقررت دخول كلية الحقوق قسم فرنساوي مع أن الفرصة أمامها متاحة لدخول كليات أفضل لكن مع قلة العدد المتواجد وتفوقها تتيح لها الكلية استكمال دراستها العليا ب«السربون». ونظرًا لقلة العدد تحصل دفعة «ياسمين» علي المحاضرات مطبوعة ويتناقشون مع أساتذتهم في تفاصيلها خلافًا لما كان يحدث السنة الماضية علي حسب ما يؤكد زملاء ياسمين في الفرقة الثانية من حقوق فرنساوي الذين يتجاوز عددهم 120 طالبًا.