يشير مصطلح أفلام «الفنكوش» الذي أطلقته علي تلك الأفلام التي تبحث عن الإبهار والدعاية والاستعراض دون أي مضمون حقيقي تمامًا كما فعل «عادل إمام» في فيلم «واحدة بواحدة».. والفيلم الأمريكي «Knight and day» أو كما عرض تجاريًا تحت اسم «لقاء مُتفجِّر» للمخرج «مانجولد» يؤكد أن هذه النوعية من الأفلام موجودة في كل مكان.. الفيلم «فنكوشي» بامتياز حيث لم يكن لدي صنّاعه سوي هدفين هما: تقديم أكبر كمية من مشاهد الأكشن المبتكرة، والهدف الثاني التجول في أكثر من منطقة من العالم ليكون لدينا في النهاية هذا الفيلم الأكشن السياحي الذي يلعب بطولته اثنان من النجوم: «توم كروز» و«كاميرون دياز»، أما الحكاية والحبكة والتفصيلات وحتي رسم الشخصيات فيأتي «بعدين» أو لا يأتي أبدًا المهم أن يكون لدينا «أكشن» و«سياحة».. وهو ما تحقق فعلاً ليبدو الفيلم مُسليًا كالفيشار واللب والحمص أثناء المشاهدة، أما بعدها فهو يتبخّر تمامًا مثل قطات الماء في يوم قائط الحرارة! أتذكر من أفلام برنامج «نادي السينما» القديمة التي شاهدتها في الطفولة فيلمًا مسليًا من هذه النوعية اسمه «رجل من ريو» بطولة النجم الفرنسي «چان بول بلوموندو» يبدأ في فرنسا ثم ينتقل فجأة إلي أمريكا لتدور مغامرات مدهشة أكثر إحكامًا وظرفًا مما شاهدناه في «لقاء مُتفجِّر» الذي يحتوي أيضًا علي اختراع عجيب أقرب إلي «فنكوش» عادل إمام، الاختراع عبارة عن بطارية لا تفني منها الطاقة علي الإطلاق ابتكرها شاب في مراحل التعليم اسمه «سايمون» وحصل عليها جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، ولكن أحد أعضاء هذا الجهاز واسمه «فيتزجيرالد» يقرر أن يقتل المخترع ويستولي علي البطاقة العجيبة التي تشبه اختراعات عبقرينو في قصص مجلة «ميكي»، ولكن عميلاً آخر قويًا سريعًا خارقًا كالمعتاد يدعي «روي ميللر» (توم كروز طبعًا) يهرب بالبطارية، وتطارده المخابرات ظنًا من رئيس قسم مكافحة التجسس المضاد أن «ميللر» انقلب علي عمله وعلي الجهاز الذي عمل فيه، وأثناء رحلة الهرب والمطاردة الطويلة يلتقي «ميللر» بالصدفة بإحدي الجميلات «كاميرون دياز طبعًا»، وتخوض معه المغامرة والمطاردة التي تبدأ من أمريكا إلي جزر الآزور إلي ألمانيا إلي إسبانيا إلي حدود المكسيك، ونترك البطلين في المشهد الأخير من الفيلم وهما يتجهان بالسيارة إلي صوب «رأس هورن» أقصي أطراف القارة الأمريكية الجنوبية، وربما نستكمل معهما المغامرة في جزء ثانٍ وثالث ورابع. لا بأس أبدًا من هذه الأفلام التي تقتل الوقت وتبهر المشاهدين وتنقلهم علي جناح الأحلام إلي أطراف العالم وهم في أماكنهم ولكن بشرط اتقان الصنعة خاصة أن هذه التيمة مُسْتهلكة تمامًا، كما أن شخصية العميل السِّري الذي يطوف العالم في سبيل الهدف الذي يؤمن به لها تجليات كثيرة متقنة الصنع وجذّابة وتكتظ بالجميلات، لعل أشهرها بالطبع سلسلة العميل 007 أو «چيمس بوند» الحقيقة أن «ميللر» فيه من بعض الملامح «البوندية» مثل القوة والسرعة والجاذبية كرجل مع الاستخدام المتقن للأسلحة، ولكن حبكة الفيلم نفسها ساذجة إذ ما الذي يدفع عميلاً للمخابرات للهرب باختراع «كاريكاتوري» كالبطارية الصغيرة؟ لماذا لم يتحدث إلي رئيسته «إيزابيل» - التي تبدو كامرأة قوية - عن مؤامرة زميله «فيتزجيرالد» المزعومة؟ لماذا يقوم بقتل كل هؤلاء البشر سواء قبل صعوده الطائرة أم بعدها؟ الأغرب أن الاختراع نفسه المفترض أن يبيعه «فيتزجيرالد» لأحد تجار الأسلحة الإسبان واسمه «أنطونيو» تتصاعد درجة حرارته تدريجيًا حتي يؤدي إلي انفجار طائرة استقلّها تاجر السلاح، أي أن الاختراع طلع أيضًا فنكوشيًا، ولا يساوي كل هذه المطاردات والصراعات، وببساطة شديدة يقول «ميللر» للمخترع الشاب الأقرب إلي الشاب الأبله إنه يستطيع أن يخترع بطارية أخري وربما يحدث ذلك في الأجزاء القادمة من الفيلم الساذج. شخصية «ميللر» نفسها بدت مسطحة تمامًا، حتي عندما تذهب الجميلة «چون هافينز» (كاميرون دياز) إلي أحد المنازل التي كان يختبئ بها تجد رجلاً وامرأة عجوزين ربما كانا الأب والأم، ونجد صورة ل«ميللر» وهو صبي يافع، وتقول الأم أن ابنها مات في تحطم طائرة في الكويت، ويعني ذلك أن «ميللر» قام بتغيير هويته تمامًا، وولد من جديد باسم آخر كرجل للمخابرات، وليس لهذه المعلومة أي استخدام في الحكاية الرئيسية، ولم يتم استغلالها مثلاً لإضفاء طابع إنساني بدلاً من هذا الطابع الآلي الذي استأثر بصورة «ميللر» خاصة مع الإتقان الكامل والمدهش لكل مشاهد الأكشن، وهو أمر أصبح بديهيًا وطبيعيًا في كل الأفلام الأمريكية عمومًا. علي الجانب الآخر، كانت شخصية «چون» الفتاة الحسناء أكثر حرارة وظرفًا وتلقائية رغم أنها في نهاية الأمر مجرد عنصر مساعد في الحكاية كلها، أنها فتاة تملك ورشة ورثتها عن والدها الذي كان مهتمًا بالسيارات، وهي أيضًا مهتمة بقطع غيار السيارات خاصة تلك المناسبة لسيارة عتيقة في منزل الأسرة تريد تجديدها لإهدائها إلي شقيقتها «ايريل» في يوم «زفافها»، «كاميرون دياز» رغم علامات التقدم في السن التي بدأت في الظهور علي وجهها انطلقت من هذه التفاصيل الإنسانية البسيطة إلي تقديم شخصية من لحم ودم وجدت نفسها فجأة في مغامرة عجيبة بالأسلحة النارية والقذائف وبالسيارات التي تطير في الجو، نجحت «كاميرون» في خطف الأضواء من «توم كروز» في مشاهد كثيرة بلمسات كوميدية ظريفة في حين بدا هو أقرب إلي «الروبوت» الذي يقدم مشاهد «الأكشن» غير المعقولة، ولكن صناع الفيلم أفسدوا شخصية «چون هافنيز» في النهاية عندما بدأت تتحول بحكم العِشرة مع «روي ميللر» إلي امرأة خارقة تقتل وتطارد وتضرب وتتلذذ بالمغامرات الدامية. لكن الموضوعية تقتضي منّا الإشارة إلي أن الفيلم الذي لم يكن يعنيه الاختراع ولا أن يكون تاجر السلاح إسبانيًا أم هنديًا، ولا أن يكون التصوير في إيطاليا أم في فرنسا، نجح في تقديم مشاهد «أكشن» مُتقنة وجيدة التنفيذ، كما أن هناك مشاهد كوميدية جيدة مثل مشهد الطائرة الذي ينتهي بقتل عدد معتبر من مطاردي «روي» في حين تتجمل وتتعطر «چون» داخل حمّام الطائرة لكي تجذب انتباه «روي»، ولكن هذه المشاهد المتباعدة لم تستطع إنقاذ الفيلم لأن مبرر المطاردات نفسها غير موجود أو غير مقنع، كما أن الاختراع بدا هزليًا تمامًا، والطريف أن سيدة المخابرات التي خدعها «فيتزجيرالد» تعترف في النهاية ل«روي» أنها وثقت فيمن لا يستحق الثقة.. ومن الواضح أن عليها الآن البحث عن المخترع الأبله صاحب الاختراع الذي أطلق عليه اسم «الزفير»، وهي كلمة تعادل «الفنكوش» في اللغة العربية، هذا إذا كان هناك معني للكلمتين: «الزفير» و«الفنكوش».