لعل الأستاذ إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور المقال، هو أكثر الإعلاميين المصريين وضوحًا وصدقًا مع النفس، هذا ما أكدته الصورة المنشورة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية (الأربعاء 6 أكتوبر 2010) التي أظهرت عددا من العمال يحملون أشياء خاصة بالسيد عيسي ويخرجون بها من المكتب، كما أظهرت عددا من الصور الفوتوغرافية معلقة علي الحائط، لعل أهمها صورة كبيرة للسيد حسن نصر الله رئيس حزب الله في لبنان بالإضافة لعدة صور للثائر القديم جيفارا رفيق كاسترو في عملية الثورة التي انتهت بهروب الديكتاتور باتيستا ودخول الثوار كوبا عاصمة هافانا في 1959، استقر فيدل كاسترو رئيسا للثورة وللبلاد وهو ما هدأ قليلا من انفعالاته الثورية بينما رفيقه جيفارا كان يري أن الثورة لا يجب أن تتوقف عند حد، وبعد عدة مناصب شرفية تخلي عن كل شيء وواصل خطواته الثورية لتحرير العالم من الإمبريالية، هكذا انتقل إلي غابات بوليفيا إلي أن تمكنت مجموعة خاصة من اغتياله، غير أنه، بكل ما كان يحمله من أفكار مثالية رومانسية ثورية تمكن من الوصول إلي جدران مكتب ابراهيم عيسي. الرجل كان ساحرا في كلماته وأفكاره، كان من المستحيل أن تكون مثقفا فقيرا في أي بقعة من بقاع العالم، ولا تكون واحدا من أتباعه ومريديه، كان من المستحيل أن تكون مظلوما بغير أن تحلم بمجيء جيفارا لينقذك من هذا الظلم. ومن أقواله (إنني أحس علي وجهي بألم كل صفعة توجه إلي مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني) (لا يهمني أين ومتي سأموت بقدر ما يهمني أن يبقي الثوار يملئون العالم ضجيجا لكي لا ينام العالم بثقله علي أجساد الفقراء) عاش جيلي طويلا في ظل هذه الأفكار، أثرياء العالم يصنعون فقراءه، عندما نقضي علي الثراء والأثرياء نقضي تلقائيا علي الفقر والفقراء، والثورة علي كل شيء هي سبيلنا الوحيد لتحقيق هذا الهدف العظيم. وتلاشت هذه الفكرة وتبددت بعد ثورة الناس في روسيا بلد المنشأ والمنبع، وبدأت بلاد الستار الحديدي في التحول إلي الحرية السياسية والاقتصادية، غير أن الإعلام المصري مدعوما بقوة العاجزين عن إدراك المتغير فوق الكرة الأرضية عجز عن استيعاب أحداث التاريخ التي تحتم التخلص من صورة جيفارا في العقول وعلي الجدران، والتفرغ لفهم وإشاعة الحرية والديمقراطية وإدانة الحروب والكراهية، وبدلا من ذلك كله، أضاف صورة السيد حسن نصر الله. جيفارا يرسم لنا الطريق للتخلص من ظلم الإمبريالية العالمية وإيجاد مكان لنا علي الأرض، والسيد نصر الله يرسم لنا الطريق لإيجاد مكان لنا في الجنة. ثم أضفنا اختراعا جديدا وهو أن نعمل عند سيدين، الحرية الاقتصادية والسياسية التي تفيدنا في إنشاء جرائد خاصة بعيدة عن سلطة الدولة، بالإضافة إلي البرامج التي نقدمها في الفضائيات التي هي أيضا إحدي ثمار التحول إلي الاقتصاد الحر وأن نعمل في الوقت نفسه ثوارا علمانيين مع السيد جيفارا ومريدين دينيين للسيد نصر الله.. يا حلاوة. لم يفعل ابراهيم عيسي شيئا مختلفا عما يفعله الآخرون في الإعلام المصري، لقد دخل مضمار السباق راكبا حصانين فكان لابد في النهاية أن يتمزق بينهما. لو أن ابراهيم علق صورة عصام فهمي فوق الحائط لاستطاع أن يدرك أنه أنشأ صحيفته بقوة رأس المال التي سمحت بها قواعد التحول، وأن أصحاب الأموال ليسوا دائما أوغادا. كلمة أخيرة للعاملين في جرائد أخري، في مصر لسنا في حاجة لجيفارا ولا لحسن نصر الله.