تستحثني فكرة تذكير الناس بما حصل في أكتوبر 1973 كتجربة مصرية، ألا نكتفي بحكايات رغم أهميتها وعظمتها عما قام به المصريون علي الجبهة، بل ندفع بعبور أكتوبر إلي ميادين جديدة كل عام نحن فيه إلي نصر أكتوبر. لنحاول مع الأحداث الجارية أن نعيد ترتيب أوراقنا في القضية الشائكة التي تفجرت في مجتمعنا تحت اسم الوحدة الوطنية. ويبدو أننا وإن لم نملك بعد شجاعة المواجهة مع الأسس الصريحة للاحتقان بين المسلمين والمسيحيين لا نريد أن نحس بتخمر حقيقي ينمو في بلادنا يرفض ويكره أن يقوم أفراد أو مؤسسات بمهمة تقربنا إلي الله ، سواء كان الأفراد مشايخ أو قسساً، أو كانت المؤسسة جامعاً أو كنيسة. لا نعارض الدين، الذي مع ميلاده ظهرت الإنسانية بصفتها إنسانية، إنما نمقت التعصب الذي يدمر تسامحنا. كاد السلم العام خلال الأيام الماضية أن يتهدد من أجل خلافات عقائدية! هي للأسف موجودة داخل الدين الواحد والمذهب الواحد، بما يجعلنا نسلم بأن الفتنة نائمة، ولعنة الله علي من يوقظها. ومن تهديد قس في فلوريدا بحرق المصحف إلي ما حدث خلال مؤتمر العقيدة بالفيوم من الأنبا بيشوي المصري سكرتير المجمع المقدس دارت معارك تليفزيونية، استشعرت معها السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان مسئولية الإعلام، وأزعجها وأخافها السجال الذي دار ولا يزال يدور بين بعض الشخصيات المسلمة والمسيحية. وأصدر الأزهر بياناً، وتحدث البابا شنودة.. وتعتزم الكنيسة الإنجيلية إصدار ميثاق شرف بين الكنائس والأزهر يقضي بمنع الإساءة إلي الآخر أو التراشق بين الأديان أو بين المذاهب في الدين الواحد. وطالب الدكتور القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية أن يتضمن الميثاق ما أسماه «برتوكولات للتعاون المثمر» يوضح خطوطاً حمراء يجب ألا يتعداها أحد مهما كان موقعه وحجمه. غير أن اغرب ما في وضع بلدنا هو تحفز إعلامنا بعيداً عن دوره في تبصيرنا! وكما لامت الدكتورة مشيرة خطاب التداول الإعلامي للمشكلة الأخيرة، لم يفت البابا شنودة أن يغضب من الصحفي الذي تداول ما قيل في مؤتمر تثبيت العقيدة دون تدبر. لا يختلف التراث المسيحي عن الإسلامي بالنسبة لمسألة «تدبير العوام». المسألة الخطيرة التي تكاد تكون متروكة بالكامل لنشطاء ودعاة الخطاب الديني، يسود الخطاب الإسلامي بما أن الأغلبية الساحقة مسلمة! يمارسونها سنين طويلة وأفسحت لهم القنوات والبرامج ليسوسوا العوام ويجيشوهم ضد الفلسفة والعلم والفكر وكل ما يرونه ابتداعاً في ثقافة الغرب. لقد أغوت الشاشة وجننت البعض فأعتمت رؤيتهم لذواتهم وغرتهم الشهرة والمرتبات الطائلة التي لا يستحقونها. فقاموا يضببون أمام عيوننا، لا رؤية أفق تشكل حكومة تضع همومنا واحتياجاتنا في أولوياتها فحسب، إنما انتهكوا إرادتنا التي لا تقبل التقسيم إلي مسلم ومسيحي. إن كشف هؤلاء يقع ضمن مهمة الدفاع عن حقوق المواطن المصري، وهي مهمة كل مثقف حقيقي يعمل علي تزويدنا بشاطئ أمان وسط تنشيط الحملات المقدسة ضد بعضنا البعض. ونتج عما يمكن أن يخفيه في صدره الأنبا بيشوي تشغيل العضلات، وقام د. سليم العوا بالحديث عن تكدس الأديرة بالأسلحة المخبأة. ولم يقف الأمر عند بيان مجمع البحوث وتصريحات أعضائه، حيث طالب 115 محامياً في بلاغ رسمي، النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود بإلقاء القبض علي المواطن المصري مكرم إسكندر نقولا المترهبن باسم توما السرياني وشهرته الأنبا بيشوي لارتكابه جريمة ازدراء أحد الأديان السماوية وهو الدين الإسلامي بأن ادعي وجود تحريف في القرآن الكريم. وفي تعريف لليونسكو لمفهوم التسامح قالت المنظمة بأنه لا يعني اللامبالاة كما لا يدل علي المسايرة أو المجاملة، إنما هو تقدير لما ينطوي عليه التعدد الثقافي في العالم من ثراء، إنه الوقوف علي ما يحمله تنوع طرق التعبير البشرية من دلالات فرادة الذات البشرية وتميزها. هل يمكن أن نشاهد هذا المعني علي قنواتنا التليفزيونية؟ الأغلبية المسلمة تجد ذاتها تشحن صباح مساء وقد أشبعها دعاة الخطاب الديني بأوهام التفوق والنقاء والصفاء، بينما يكاد يوسم الآخر في نظرها بالدنس والرجس والدونية! ولقد غالي الأنبا بيشوي حول الضيف والمضيف، وحتي يومنا هذا يوجد من يريد أن يعامل الأقباط كأهل ذمة. لست مستعداً أن أتشدق بتسامح المسلمين مع خطبة صلاة كل جمعة بأن يحرق الله ديار آخرين وييتم أطفالهم ويهلك زرعهم علي الأقل محاولة الحكم التجريبي علي قبول السماء لمثل هذا الدعاء قد يوضح أن سخطنا وإحباطنا وآمالنا الغامضة أصبح من الضروري توجييهها إلي أفعال ذات معني.