طلب مني بعض القراء أن أعيد نشر بعض مما كتبته في مجلة «روزاليوسف» هذا الأسبوع تحت عنوان (نلتقي بعد الثورة - مصر 2012).. خصوصاً ذلك التحليل الذي أشرح فيه لماذا تحملت الدولة التموجات التي كشف عنها الحراك السياسي.. وأغلبها معروف أنه لا علاقة له بالديمقراطية.. وأول من أمس وجدت في كلام وزير الداخلية ما يعضد تحليلي.. إذ قال: إن الأمن يسمح بمظاهرات غير مصرح بها حين لا تكون مؤثرة في الحالة الأمنية.. غير أن المدهش أن بعض المعارضين يعتقد أن صمت الدولة وتمريرها بعض الأمور يمثل (ضعفاً) ويجسد (وهناً). فيما يلي بعض ما كتبت في مقالٍ امتد علي 12 صفحة: السؤال هو: هل بقيت الدولة المصرية تتفرج خلال تعرضها لتلك الحملة معروفة الأسباب والنوايا؟ في الإجابة عن هذا نرصد التالي: • تزامن المخطط مع عملية تطوير وتحديث وإصلاح كانت قد بدأت فعلياً في عام 2000 .. وانتقلت إلي مرحلة أوسع في عام 2002 .. ثم تبلورت قوتها الدافعة من خلال مبادرة الرئيس مبارك بتعديل الدستور وطريقة انتخاب الرئيس في 2005 .. وصولاً إلي تعديلات الدستور في 2007 ..عملياً، ووفق المعلن من الدولة، كانت ولم تزل ترسم خطوط «دورها المجتمعي الجديد» في إطار التعديلات الدستورية وما يمكن وصفه بأنه «العقد الاجتماعي الجديد».. بمعني أوضح فإنها كانت تتلمس من خلال التفاوض الاجتماعي حدود هذا الدور الذي «يحفظ التوازن ويبقي الاستقرار ولا يمنع التطوير».. وبالتالي تقوم بتحديث مؤسساتها وتضع لها معادلات جديدة.. لا تنفي دورها، ولكن أيضاً لا تجعلها محتكرة لكل الأدوار. • بصورة ما، استفادت الدولة من كل تلك المتغيرات السلبية التي تفاعلت في المجتمع، لكي تخضع مؤسساتها للاختبار المتدرج، ولكي تدربها علي التعامل مع عصر الأنواء العاتية، بدءا من تحمل الحملات المكثفة وطريقة التعامل معها.. وصولاً إلي التفاعل الإعلامي في ظل واقع جديد. • أدركت الدولة أن أحد أهم التحديات التي تواجهها هي بلوغ نقطة النكوص عن الحرية التي هي فتحت أبوابها علي مصاريعها.. ودفعها إلي اتخاذ إجراءات عنيفة.. تطيح أولاً بالمكتسب الذي بذلت جهداً في ترسيخه وإحداث انتقال إليه.. وتمنح بها ثانياً من يدعون أنها دولة طاغية خنجراً لكي يصوبوه إلي صدرها.. ومن ثم فإنها أي الدولة استوعبت بحكمة تحسد عليها وهدوء أعصاب لافت كل هذه التفاعلات لدرجة أثارت طمع العابثين.. وصورت لهم أن الدولة علي وشك الانهيار وأنها سوف تغلق أبوابها غداً. لقد كان قصد الدولة ولم يزل هو الاستفادة من هذا «المرجل» في ترسيخ معادلات جديدة في مناخ مختلف.. حتي لو كان فريق من المتواجدين علي الساحة يستهدف أبعاداً أخري غير معلنة.. وأن التجربة سوف تكسب المؤسسات صلادة وقدرة.. وفيما بعد أن تنتهي تلك المرحلة دون أن يهتز الاستقرار، فإن هذا سوف يجعل البلد قادراً علي اجتياز أي عبء مماثل ببساطة.. ما يحول الخطة الشريرة إلي تمرين سياسي حاد وقاسٍ ومفيد. • تفهمت الدولة أن عملية التطوير الاقتصادي التي تقوم بها وتحرز ثمارها لا يمكن أن يتم الفصل بينها وبين مناخ الحرية السياسية وحرية الإعلام، وأن هذا الانفتاح في اتجاه الاقتصاد لا بد أن يكون مرتبطاً بانفتاح موازِ آخر، في اتجاه السياسة، خصوصاً أن هناك سلبيات متوقعة لعملية الإصلاح الاقتصادي.. لا بد لها من متنفس.. يؤدي إلي كشف العواقب الاجتماعية للتطوير الاقتصادي.. بدلاً من أن تبقي مكتومة وتفاجئ الجميع في لحظة غير مرئية. • علي عكس كل القوي السياسية والجماعات المختلفة فإن الدولة هي أهم طرف كان ولم يزل يدرك أن كل تلك المجريات الصاخبة في مصر ليست لها جذور اجتماعية حقيقية.. وأن تركها تواصل ما تقوم به هو في حد ذاته ضمانة لكشف هويتها بين فئات الرأي العام.. والملاحظ في هذا السياق أنه حين كانت تقع أزمات من نوع مؤثر تقوم تلك الجماعات باستغلالها والتبشير بأنها سوف تسفر عن كارثة.. فإن الدولة كانت تتدخل بما ينبغي أن يكون.. إذا كان هذا يمس التوازن الاجتماعي والاستقرار العام. • لا شك أن ترك هذه التفاعلات بلا قيد قد أظهر للرأي العام في مصر ما هي طبيعة التوجهات المطروحة عليه.. ومن يعمل من أجل صالحه ومن يعمل ضد وطنه.. كما كشفت حقيقة وحجم القوي المتصدرة للشاشات والصفحات بل المظاهرات.. وهل فيها حقاً من يمكن أن يمثل بديلاً للدولة، ولا أقول لحزب ما؟ • لا بد أن الدولة كان في وعيها الكامل أنها تواجه إلي جانب العبث الداخلي المستغل لأجواء الانفتاح السياسي والإعلامي، مخططات أعمق تمثل تحدياً للأمن القومي.. سواء علي مستوي العلاقات بين عنصري المجتمع.. أو علي مستوي تأليب مشكلات عرقية لم نكن نسمع بها.. ولا بد أنها فصلت إلي حد بعيد بين هذا العبث وبين تلك التحديات المختلفة.. وحين كانت تجد أن هناك خروجاً عن هذه القاعدة فإنها كانت تتدخل علي الفور.. وتذكر العابثين وأصحاب الأدوار بأن هناك خطوطاً حمراء.. وأنها حتي لو كانت تسمح بكل هذا الذي يجري فإنها لا يمكن أن تقبل ما يؤدي إلي الإخلال بالتوازن والاستقرار والأمن. الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى: [email protected]