بعد المقابلة الشهيرة التي ميزت بين المعطيات القانونية وبين الاتهام السياسي، ضغط احدهم زر التفجير فانطلقت الصواعق داعية رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري الي الاعتذار. كل يغني علي ماضيه، وكل تسبق ممارساته علي الارض تصريحاته. حسنا، فتح النظام الامني السابق "ملف التعويضات" مستهلا مطالبه بالاعتذار... والا فالحقوق ستؤخذ، باليد باللسان بالقلب، بأقوي الايمان (إذا وجد) أو بأضعفه، والمتصفح لصفحات هؤلاء، النقية البيضاء، لا يمكنه الا التعاطف معهم والانضمام اليهم في دعوة الشيخ سعد الحريري الي الاعتذار فما حصل في السنوات الخمس الماضية كفيل بانهاء دول لا بتوليد آلام فحسب. أعتذر يا شيخ سعد اولا عن مطالبتك بالحقيقة لمعرفة من خطط ونفذ جرائم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه اضافة الي الشهداء الاحياء، واعتذر عن كل دمعة ذرفتها واهل بيت الشهيد وانصار الشهيد بل كل دمعة ذرفها اي لبناني لانك ومن موقع مسئولياتك يجب ان تدرك ان تغيير قواعد اللعبة مكلف جدا في بلد شرق اوسطي... وقواعد اللعبة يا دولة الرئيس تقول ان الناس في الاغتيالات السياسية تاريخيا تمشي مع القاتل، خوفا او حبا، ولا تمشي مع القتيل، ثم ان العزاء في لبنان تحديدا يستمر 40 يوما في حده الاقصي واياما ثلاثة في حده الادني، وما حصل بعد اغتيال رفيق الحريري كسر هذه القاعدة وخالف توقعات المخططين والمنفذين الذين برروا ل"كبارهم" تعاطف الناس ومطالبتهم بالحقيقة بأنه جزء من "مؤامرة دولية". وأعتذر يا شيخ سعد عن تمسكك بالوحدة الوطنية ونهج الحوار والتوافق وسقف اتفاق الطائف والعلاقات المؤسساتية من دولة الي دولة بين لبنان وسورية، وأعتذر عن ايمانك بالعروبة الحضارية وقضايا العرب وفي طليعتها قضية فلسطين، واعتذر عن دفاعك عن سلاح المقاومة في لبنان وطلبك من كل المرجعيات الدولية التي التقيتها سحب موضوع هذا السلاح من التداول لانه يبحث في اطاره الحواري اللبناني، واعتذر عن عدم تأسيسك ميليشيا. واعتذر عن ايمانك بالدولة مشروعا وهدفا وطريقا إلي حل مختلف الاشكالات... فكل هذه الامور تخالف تماما ما رسم لمرحلة ما بعد استشهاد رفيق الحريري، لان الاغتيال لا يكتمل الا بالحرب الداخلية والخطاب الطائفي والعنصري والانعزالي وانهيار مشروع الدولة. واذا كانت اعتذاراتك السابقة نوعا من "التقية" السياسية لدي البعض أو "شعارات عاطفية" لدي البعض الآخر، فلا بأس إذا من اعتذارات "واقعية". أعتذر يا شيخ سعد لاحتلالك وسط بيروت الذي أعاد والدك اطلاقه من رماد الحرائق وركام الحروب واطلال الدمار. واعتذر للدور الذي لعبته في ضرب حكومة الوحدة الوطنية سابقا وايعازك كل خمس دقائق للوزراء السنة بالانسحاب لافقاد الحكومة ميثاقيتها، وأعتذر لاعتصامك بحبل الفتنة لاشهر مطوقا مقر رئاسة الوزراء هاتفا ليل نهار بكل ما يسيء الي الوحدة والتوافق. واعتذر لارسالك ميليشيا المستقبل هاتفة:"يا سنيورة ويا (...) السنة نزلوا عبيروت"، واعتذر لانك ساهمت في اغلاق عشرات المتاجر والمؤسسات وتعطيل المصالح وحرمان المئات والآلاف من أسواق العمل ودفعهم الي الوقوف في طوابير البحث عن فيزا وحد ادني من العيش الكريم. واعتذر يا شيخ سعد عن 7 أيار، اليوم المجيد، وعن غزو 12 الف مقاتل دربتهم في الاردن (ألا تذكر) العاصمة وشوارعها ومحاصرة مقار رموز البلد بالقذائف الصاروخية إضافة إلي حرق المؤسسات الإعلامية وتدمير المكاتب والمنازل وقتل المدنيين وجرح العشرات، واعتذر عن اصرارك في الدوحة علي القبول بتسوية نقلت التعطيل من الشارع إلي الحكومة. واعتذر يا شيخ سعد عن ارسالك المقاتلين الي هذه الدولة العربية أو تلك، وعن اساءات "جماعتك" لكل دور عربي بناء هدفه امن واستقرار ووحدة البلد، وعن عدم قدرتك علي السيطرة علي مسلحيك الذين يحرقون العاصمة وشوارعها وبعض مساجدها لخلاف علي موقف سيارة او يقتحمون حرم المطار في استعراض تمردي علني، واعتذر اكثر لاستخدامك لغة "السكاكين" تجاه كل من طالب بعاصمة منزوعة السلاح، واعتذر اكثر واكثر لاستخدامك لغة "الصرامي" في كل موضوع يتعلق بالمحكمة الدولية وعمل المؤسسات والسلطات الرئيسية في لبنان. والاهم من ذلك كله اعتذر لانك تهدد اللبنانيين ب"مستقبل" يختلف عن حاضرهم الوطني اللاطائفي المتقدم اقتصاديا وعلميا وسياسيا واجتماعيا. اعتذر يا شيخ... اعتذر!