اتصل بي صديق من خارج الوفد. يحدثني عن حديث منشور بأهرام الجمعة 10 سبتمبر الماضي تحت عنوان (هل دخل الوفد حلبة الصراع؟) لافتاً نظري إلي ضرورة قراءة الحديث وخصوصاً مع رئيس الوفد . كانت الأهرام قد قامت بمواجهة بين الدكتور السيد البدوي والدكتور أباظة. وبدأت أقرأ حديث رئيس الوفد فإذا بالرجل يؤكد أنه (ليست لديه مصالح أو مآرب شخصية وكل أمله أن يظل الوفد كياناً راسخاً فاعلاً في الحياة السياسية) وهذا ما نعرفه عن الدكتور السيد البدوي وهو ليس في حاجة إلي تأكيد ذلك. فلقد عايشناه سنين طويلة نحترمه ونقدره ونفخر به ونعتبره من أهم الشخصيات التي كان لها دائماً الدور والتأثير في الوفد. فالدكتور السيد له قدرة غير عادية علي التواصل مع الجميع. مهذب محترم ودود كما انه صاحب تجربة سابقة ناجحة كسكرتير عام للوفد كنت أنا أحد الشاهدين علي سعة صدره وعلي طول صبره وعلي قدرته في الإنصات لكل مشاكل لجان المحافظات التي لا تنتهي ولا تؤذن بالانتهاء. ثم بدأ رئيس الوفد بعد أن تكلم عن شخصه يتحدث عن الآخرين المختلفين معه وإذا برئيس الحزب الليبرالي العريق القائم علي الفردانية والأكثر قولاً بحق الاختلاف يصف من يختلف معه بعشرين وصفاً غريباً . فالمختلف مع الدكتور السيد هو: 1- من أتباع محمود أباظة. 2- يبحث عن مصالح شخصية. 3- يغرد خارج السرب. 4- يحاول الإيحاء بأن هناك أزمة عبر منابر إعلامية. 5- يريد العودة بالوفد إلي عصور الظلام. 6- يريد أن يدار الحزب بأسلوب الشللية. 7- الأوهام تسكن خيالاته. 8- يحاول اختطاف الوفد. 9- يحاول خلق مناخ الفوضي. 10- يحاول اغتصاب صلاحيات رئيس الوفد. 11- مارق. 12- شارد. 13- يريد وقف مسيرة خطوات الوفد. 14- هناك من يحركه ويضع له الخطط لزعزعة استقرار الوفد. 15- لا يملك من أمره شيئاً (أداة في يد الآخرين). 16- يريد أن يوقف مسيرة الحزب. 17- يضرب بمبادئ الوفد عرض الحائط. 18- يدين بالولاء لأشخاص. 19- ينضوي ضمن جبهة مضادة. 20- خارج علي تقاليد الحزب. ومصير المختلف مع رئيس الوفد حسب حديثه للأهرام 1- لن يلتفت إليه أحد. 2- سيجد نفسه في القاع. 3- عليه التوقف فوراً. 4- عليه العودة لسرب الجماعة. لكن من هم المختلفون مع رئيس الوفد وفي أي القضايا . هناك قضيتان تم الاختلاف مع رئيس الوفد من قبل 7 شخصيات . الأولي كانت قضية الثوابت (رفضه لعلمانية الوفد). ولم يختلف فيها معه في الوفد إلا أنا وكتبت أربع حلقات في روزاليوسف حول هذا الخلاف كان نصيب الدكتور السيد منها ثلاثة كما خصصت إحداها للرد علي أحد الوفديين الذي حاول التطاول علي فكري وعلي شخصي كما حاول تزييف إشكاليات العلمانية. وهنا لم نحسب الأستاذ كمال زاخر فلقد ترك الوفد ورحل. أما القضية الثانية فكانت قضية تعديل اللائحة التي اختلف فيها 6 من قيادات الوفد (محمد سرحان نائب الرئيس - ياسين تاج الدين نائب الرئيس - منير عبد النور السكرتير العام د.إجلال رأفت سكرتير عام مساعد - رمزي زقلمة سكرتير عام مساعد -سامح مكرم عبيد السكرتير العام المساعد) لم يتحدثوا للصحافة باستثناء الأستاذ محمد سرحان إذن نحن أمام قضيتين وسبعة مختلفين استخدم اثنان فقط منابر إعلامية (أنا والأستاذ محمد سرحان) إذن هذه الصفات العشرين وهذا المصير المنتظر للمختلف من نصيب هؤلاء السبعة عموماً ومن نصيبي ونصيب الأستاذ محمد سرحان علي وجه الخصوص.هذا من حيث الشكل أما من حيث المضمون فلقد هالني حديث رئيس الوفد فالكلام كله متنه الأساسي قومي إسلامي ناصري . قومي لأنه يتحدث عن جماعة وعن سرب وعن مجموعة متميزة وقلة مارقة شاردة وهذا معاكس تماماً لطبيعة الليبرالية.فالليبرالية لا تعرف حكاية الجماعة والسرب والإجماع ولكنها تقول دائماً بالفردية والاختلاف فكل منا له رأيه وكل منا له وجوده المستقل وكل منا له كيانه الذي لا يلغي في أي أحد كائن من كان. والليبرالية لا تعرف الجموع والجماعات والأسراب لكنها تعرف ثقافة التعدد والرأي الأخر والثراء تعرف أن التطابق فناء والمغايرة حياة. ثانياً: إسلامي لأنه اعتبر نفسه ملاكاً يقطر وداعة والآخرون شياطين وهو تصور يتحكم في معظم مثقفينا خصوصاً الإسلاميين منهم وفيه خلل شديد عن طبيعة العلاقة بين الذات والآخر فلا انت ملاك ولا الآخرين شياطين لكنه الاختلاف الطبيعي الذي أوجده الله فهو من طبائعهم الربانية التي خلقوا بها. ثالثاً: ناصري لأنه يردد المنهج الناصري في التعامل مع المختلفين في الرأي . فهم أتباع ولهم مصالح شخصية ويريدون العودة لعهود الظلام ولا يملكون من أمرهم شيئاً وهناك من يحركهم ويضع لهم الخطط فجيل رئيس الوفد تربي وعايش أسوأ حقب مصر السياسية وهي الحقبة الانقلابية الناصرية تأثر بتعليمها وإعلامها وطرق تفكيرها ونظرتها للمخالفين وهي تجربة كانت أهم علاماتها البارزة تخوين المختلف وأبلسته وإقصاءه والتشكيك في نواياه والتخلص منه والنظر إليه علي أنه ضمن تنظيم أو يروج لأفكار مدفوعة الأجر وهناك من يقوده ويحركه وأنه جزء من مؤامرة تحاك بالليل. ورغم أنني كنت حريصاً جداً علي ألا أكون من المختلفين مع رئيس الوفد ولدينا احترام متبادل منذ سنين طويلة كان دائماً يقرأ مقالاتي في روز اليوسف وفي الوفد وفي غيرهما يشجعني ويمتدح بشدة ما أكتبه لكن (العلمانية المرجومة ) من دعاة القدامة والحداثة معاً باعدت بيننا في الرأي وأرجو ألا تتسبب في تباعدات من نوع آخر فالمطلوب منا نحن الوفديون أن نقدم النموذج في الاختلاف وفي إيماننا بالديمقراطية قولاً وعملاً. لكن يبدو اننا لسنا ديمقراطيين كما يجب ولسنا ليبراليين كما ينبغي. نطلب الحرية ولا نقبل ممارساتها نتحدث عن حق الاختلاف ولا نطيق الرأي الشاذ والمختلف. وإذا كانت الأنظمة العربية تقيم العثرات أمام الآلية الديمقراطية فإن المجتمعات العربية تقيم العثرات أمام الثقافة الديمقراطية. وإذا كانت الأنظمة العربية لا تتحمل انتخاباً حراً فإن المجتمعات العربية لا تتحمل رأياً حراً. مجتمع يدين الديمقراطية في السياسية ولا يريدها في الفكر . أننا نطالب الأنظمة بالديمقراطية طوال الوقت بينما نحن لا نقبل الاختلاف ولا نحتمله ولا نعتبره أمرًا طبيعيا. فهل كان رئيس الوفد يعتقد أنه لن يقابل بأي اختلاف ولن يجابه بأي معارضة ؟ أنا أعرف مخاوفه من بعض معارضيه لكنه كان عليه أن يلجأ للأغلبية التي يملكها الآن داخل الجمعية العمومية دونما أن يتملكه حديث القلة المارقة والشاذة والتي تعد علي أصابع اليد الواحدة فهم قيادات في الوفد في النهاية ولا يجب الحديث عنهم وكأنهم عصابة ويجب التسليم بأن الصراع السياسي أمر طبيعي في أي حزب وأنه يحسم عن طريق اللجوء إلي الأغلبية . أما أن نتصور أن الحياة بلا صراع فهذا غير مفهوم . وأما أن نتصور أننا ملائكة والآخرون شياطين فهذا غير صحيح غير واقعي. وأما أن نتصور أن علي الجميع أن يقول آمين فهذا غير طبيعي وضد طبائع البشر. وأما أن نتصور أن الإجماع شيء فاضل خصوصاً في قضايا خلافية فهذا غير متوقع أصلاً. وأما أن نتصور أن الجميع متآمرون فهذا يقود إلي كارثة. لكن هناك جملة استوقفتني بشدة في حديث رئيس الوفد كما استوقفت زوجتي وأولادي حيث كنا نقرأ الحديث سوياً بعد منتصف ليل أول ليلة عيد الفطر والتي يقول فيها رئيس الوفد (أن الوفد بدأ يتحلل من أفكار قديمة ) وعلي رئيس الوفد أن يشرحها لنا في حوارات قادمة . أما الجملة الثانية فهي (أنني لن أدافع عن انجازات بقيت واقعاً حياً جعلت الوفد في صدارة المشهد السياسي ) وأقول لسيادته أن ما تعتبره انجازات شخصية (العضوية الجيدة المتهافتة علي الانضمام للوفد) ليست سوي رد فعل متفائل ومخدوع بالمشهد الديمقراطي الفريد الذي صنعه اثنان من أبناء الوفد محمود أباظة ومنير فخري عبد النور اعتقاداً من المنضمين الجدد أن المظهر مثل الجوهر وأن القشرة مثل القلب وأن الهامش مثل المتن . وهو ما ينفيه بشدة حديثكم الأخير في صحيفة الأهرام كما ينفيه كل دقيقة حديث من حولكم والقريبين منك الذين يعتبرون كل مختلف عميلاً وخائناً ومعوقاً وتبع أباظة أو دسيسة ويسممون الجو داخل الحزب ويبرهنون كل دقيقة علي أنهم لا يعرفون شيئاً عن قيم الوفد وليبراليته يقوده إلي كارثة ستضع النهاية لهذا الحزب العريق بدلاً من جعله يتصدر المشهد السياسي كما تأملون وتأكدون. كاتب سياسي