إذا ذهبت إلي الميجا ماركت فأنت تشتري ما تحتاج.. ولكنك غالبا تري وتشتري بعض ما لا تحتاج أيضا.. لأنها سلع عليها تخفيضات مذهلة ومن الخسارة ألا تشتريها.. وأنت غالبا لا تنتبه إلا إلي التخفيضات الكبيرة، وتنسي أن تلك السلع مخفضة لأنها لا لزوم لها ولا يشتريها أحد لذلك هم يخفضون ثمنها حتي يتخلصوا منها.. هذه مشكلة نقع فيها جميعا ولكننا قد ننساها لولا أن ما يتبعها يذكرنا غالبا بها.. عندما تدفع ثمن مشترياتك المخفضة ولأن الميجا ماركت يتعامل باحترام مع الزبائن قد تأخذ الباقي من نقود المحاسبة بعملات من فئة العشرة قروش.. وقطعا أنت لن تقدم هذه العملات لأي بائع جرائد ولا سوبر ماركت ولا حتي عندما تأتي لهذا الميجا ماركت لشراء ما تحتاجه وما لا تحتاجه في المرة القادمة.. فلا يقبل أحد التعامل بهذه العملات التي ما زالت الدولة تسكها بل وتطبع منها العملة الورقية.. بالرغم من أنها لا لزوم لها.. واذا احتفظت بتلك العملات ستذكرك دائما بهذا المعني: أشياء نقتنيها أو نحتفظ بها ولا لزوم لها.. فالمسئولون يقومون بسك العشرة قروش التي لا نعرف إلي الآن ما إذا كانت ملغاة فعلا أم لا وبخاصة أنهم يسمحون بأن يكون سعر السلعة 99 جنيها وتسعين قرشا! وهم يسكون تلك العملات بالرغم من أن المعلومات تفيد بأن تكلفة ورقة العشرة قروش تتكلف 13 قرشا! وهو المضحك المبكي لا لأنها تتكلف أكثر من قيمتها فحسب، بل ولأنهم يكلفون أنفسهم من أجل عملة لا يعترف بها أحد، ولا لزوم لها من الأصل.. ونحن لا نختلف كثيراً عن بلدنا وعن المسئولين فيه.. فنحن ننتقدهم وننسي أننا منهم وهم منا.. وأننا جميعا نقتني ما لا لزوم له.. فنحتفظ بالأشياء القديمة ونملأ منازلنا الصغيرة بالأكياس البلاستيكية وبالعلب الفارغة وبالبرطمانات الزجاجية الفارغة ونقول إننا ربما سنحتاج هذه أو تلك فيما بعد.. والحقيقة أننا عندما نحتاجها غالبا لا نجدها أو ننسي أين وضعناها، وإذا وجدناها يظهر لنا أنها غير مناسبة، أو نستخدم منها واحدة فقط.. وتبقي تلك الأشياء التي لا لزوم لها لتضيق مكان معيشتنا وتربك حياتنا ونحن نتمسك بها ولا نريد التخلي عنها.. في زمن بطرس الأكبر قيصر روسيا، كان الروس متخلفين عن بقية شعوب أوروبا.. وكانوا عادة يمسحون أنوفهم بأكمامهم ولا يستخدمون المحارم ولا المناديل.. ولما اتخذ بطرس الأكبر قراره بضبط مظهر جنوده والحفاظ علي أناقتهم ونظافتهم، أصدر أمرا بوضع الأزرار النحاسية علي حافة أكمام البزات العسكرية لجنوده حتي تنجرح أنوفهم إذا لم يقلعوا عن تلك العادة الكريهة.. وانتشرت عادة الأزرار علي الأكمام وما زلنا بعد مرور ما يقرب من ثلاثة قرون نضع أزراراً لا لزوم لها علي أكمامنا! يقولون إن الاحتفاظ بأشياء لا لزوم لها قد يشعر بعض الأشخاص بالأمان.. وأنك من الضروري أن تحتفظ ببعض ما يذكرك بالماضي وما يحتفظ لك بذكري غالية أو تاريخ شخصي مهم.. ولا شك في قيمة بعض تلك الأشياء لكل إنسان.. ولكن التخلص من الفوارغ التي لا لزوم لها يعد من ضرورات استمرار الحياة.. مثله مثل ضرورة التخلص من العملات من ذوات الخمسة قروش والعشرة قروش.. ومثله مثل التخلص من عادة شراء السلع المخفضة التي لا لزوم لها..