هيرودوت قبل المسيح بأربعمائة سنة قام بوصف بلاد العرب بكونها أغني بقاع العالم كما أن أستربون تحدث عن مدينة مأرب قائلاً إن قصورها ذات سقوف مزخرفة بالذهب والعاج وتشبه بيوت مصر بما فيها من أثاث فاخر وآنية منقوشة. وهذا ما ذكره المسعودي قائلاً إن أرض سبأ كانت من أخصب أرض اليمن بين بنيان وجسور وأنهار وأشجار وأن الراكب كان لا يفارقه الظل من العمارة والشجر وكان ثراء بلاد اليمن نتيجة السداد أي السدود التي تحجز السيول فتتكون البحيرات التي تروي الأرض. وكانت اليمن علي صلات تجارية واسعة استمرت ألفي عام بين الشرق وبين الغرب يجلبون النفائس مثل العاج والعطور والحجارة الكريمة ويقومون بتخزين تلك السلع في مدينة صور ثم يبعثون بها إلي أوروبا. وكان عرب الحيرة وغسان علي علاقة بالفرس والرومان، وكانت عبادات القبائل العربية قبل الإسلام كثيرة منها عبادة الشمس والنجوم والأصنام وبعض بذور التوحيد منذ عهد إبراهيم الذي قام ببناء الكعبة وبقيت قريش لها كل السيادة الدينية عليها رغم وجود بعض من اليهود والنصاري في جزيرة العرب. كان ميلاد النبي محمد في اليوم السابع والعشرين من شهر أغسطس عام 570 م في مكة وذلك بعد وفاة والده بشهرين وماتت أمه وهو طفل وقام جده عبد المطلب برعايته ولكنه توفي بعد سنتين. فتكفل به عمه وكان تاجراً وسافر معه في رحلة الشمال حتي سورية وبلغ العشرين واشتهر بالصدق والرفق والأمانة كذلك الصحة الجيدة وسافر ثانية إلي سورية للتجارة لحساب السيدة خديجة تلك الأرملة الغنية وتزوجها بعد عودته من رحلة الشمال ولم يتزوج في حياتها مطلقاً ولم يتكلم في أمر الدين إلا بعد بلوغه سن الأربعين وتتجلي عظمة محمد في إجابة سؤال ملك الحبشة للمهاجرين عندما قال له جعفر كنا قوماً نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا علي ذلك حتي بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلي الله لنوحده» حتي آخر ما قاله جعفر لملك الحبشة، وعندما بلغ محمد الخمسين عاماً توفي عمه أبو طالب وتوفيت زوجته خديجة فترك مكة بعد أن تآمر عليه أهل قريش وهاجر إلي يثرب التي سميت المدينة بعدئذ وذلك عام 622م. شرع النبي في تنظيم شئون الدين ويقود الغزوات دفاعاً عن أهل الدين الجديد، وكان لابد من فتح مكة دون قتال علي رأس جيش من عشرة آلاف قاموا بمعاملة أهل مكة بكل الاحترام وبعدها تم تجميع ثلاثين ألفاً منهم عشرة آلاف فارس وصلوا حتي تبوك ثم تابع دعوته من خلال الرسائل والبعثات إلي كل الأقطار المحيطة وقد خرج النبي إلي مكة حاجاً بعد عشر سنين من هجرته منها وبعدها عاد إلي المدينة وشعر بدنو أجله حتي توفي عن ثلاثة وستين عاماً بعد مرض استمر خمسة عشر يوماً. ولقد وصفه علي بن أبي طالب فقال إنه أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً، لين الجانب سهل الخلق يحب المساكين ويؤلف بين القلوب، يجلس علي الأرض ولم يشبع من خبز الشعير ومعظم قوته كان التمر والماء. ولقد جمع كلمة العرب وخلق منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد، ولذلك كان فضل محمد علي العرب عظيماً، وإذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد أعظم من عرفهم التاريخ، ولقد قال العلامة سانت هيلر إن محمداً كان أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تديناً وأعظمهم رأفة ونال سلطانه الكبير بفضل تفوقه عليهم. ولقد جاء بالحق من عند الحق وهو القرآن كتاب المسلمين المقدس وهو أفصح كتاب عرفه الإنسان، فيه آيات موزونة لم يسبقه إليها أي كتاب آخر. فلسفة هذا الكتاب الكريم تتلخص في أنه الدستور الديني والمدني والسياسي للمسلمين خاصة وللناس عامة، ويصلح لكل زمان ومكان ولقد تنزل باللغة العربية حتي يعلو شأن العرب وتتأكد حضارتهم بين كل أنحاء هذا العالم. كاتب وأستاذ جامعي