في الحلقة السابقة تحدث السفير الأمريكي بالقاهرة لوسيوس باتل في فترة الستينيات عن تدهور العلاقات بين واشنطنوالقاهرة بسبب عملية إحراق مبني مكتبة السفارة بالقاهرة وإسقاط طائرة أمريكية. يروي باتل هنا بعض الأحداث التي وقعت في تلك الفترة منها ما يتعلق بأمريكي يدعي جون بيردسال لم يكن قد سمع عنه من قبل علي الإطلاق كان رجل أعمال من نيويورك ناجحاً في عمله ولو أنه لم يرغب في مقابلة عبدالناصر ولم يكن لبيردسال هذا أي علاقة تجارية مع مصر أو أي جهة في الشرق الأوسط ولا نعرف لماذا وقع الاختيار عليه، «تم إرسال بيردسال سرا إلي القاهرة حيث قابل عبدالناصر الذي أخبره أنه يشعر بالرعب من أن يقوم الأمريكيون باغتياله وأن السفير باتل علي علم بالمؤامرة وأنه يخشي إمكانية حدوث خطر جسيم وكارثة للعلاقات الأمريكية المصرية لم يقم بيردسال بالاتصال بالسفير وعاد إلي الولاياتالمتحدة مشوشا تماما، تلقي السفير باتل تعليمات من الخارجية الأمريكية بأن يذهب لمقابلة عبدالناصر للتأكيد بأن الولاياتالمتحدة لا تسعي لاغتياله وهو أمر وصفه باتل بأنه كان من أصعب الأمور التي واجهها في حياته فإنه وجد صعوبة كبيرة في الاقتراب منه، بدأ بالتحدث لعبدالناصر بالإشارة إلي بيردسال الذي قابلتموه مؤخراً وأنه قد بحث ما دار في الاجتماع مع المسئولين في واشنطن ولذلك فإن حكومته طلبت منه أن يؤكد لها أنه ليس لديها أي رغبة في الإقلال من سيطرته علي مصر أو التأثير عليه شخصيا وأن الولاياتالمتحدة لا ترعي أي مؤامرة ضده هز عبدالناصر رأسه سعيدا وشعر السفير باتل بأن الموضوع قد انتهي عند هذا الحد ولكن الأمر لم يكن كذلك إذ يظهر أن الشخص «المصري» الذي بدأ هذا الموضوع اعتقد أن أفضل وسيلة للاتصال بالولاياتالمتحدة هو عن طريق رجال الأعمال وفي بعض الأوقات ظن المصريون أن أفضل القنوات مع واشنطن هي عن طريق وكالة الإعلام الأمريكية أو وكالة المخابرات المركزية وفي أوقات أخري كانوا يعتقدون في إمكانيات وقنوات جاك ماكلوي أو ديفيد روكفللر وغيرهم من رجال الأعمال الكبار الذين كانوا يزورون مصر باستمرار، هذه المرة ركز المصريون علي الأوساط التجارية التي رأوا أنها أفضل من يستطيع التأثير بالفعل علي الولاياتالمتحدة. في أي حديث مع عبدالناصر يقول السفير إنه لم يكن يتطرق مطلقا إلي موضوع إطلاق الرصاص عليه أو التخلص منه وهو الأمر طبقا لبيردسال كان أكثر ما يشغله يقول باتل إن مقابلاته مع عبدالناصر كانت ودية كثيرا ولم يكن هناك أي مشكلة حتي بعد أن أثار الموضوع معه، قابله السفير عدة مرات خلال الشهور القليلة التالية ولم تكن هناك أي توترات خلال هذه المقابلات التي وصفها بأنها كانت طيبة كما كانت دائما. عندما عاد باتل إلي واشنطن بعد حرب يونيو 1967 لكي يصبح مساعدا لوزير الخارجية الأمريكي وانهيار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ودول أخري عديدة في الشرق الأوسط فإن شعر نفسه بأهمية الاستعانة برجال الأعمال الأمريكيين مثل ماكلوي وروكفللر كما أراد أيضا الاستعانة ببوب أندرسون ولكن الرئيس «جونسون» لأسباب لا يعلمها رفض ذلك. رجال الأعمال هؤلاء كانوا يزورون الشرق الأوسط بانتظام ولذلك اعتقد عبدالناصر أنهم يشكلون أفضل قنوات الاتصال المتاحة في ذلك الوقت من جانب الحكومات العربية التي كانت لها علاقات متوترة مع واشنطن مثل مصر لم يكن باتل يظن أن هناك إمكانية لتكرار ما حدث مع رجل الأعمال بيردسال المشار إليه سابقا ولكن لدهشته تمت دعوة بيردسال مرة أخري لزيارة القاهرة حيث زارها سرا وقابل عبدالناصر عقب عودته إلي واشنطن قام المذكور بمقابلة باتل حاملا رسالة موقعة من عبدالناصر وهو أمر أثار الاستغراب، أصر المصريون علي الحصول علي رد كتابي وأن علي بيردسال أن يقابل رئيس الولاياتالمتحدة نصح باتل بأن يقابل الرئيس جونسون بيردسال ولو أن جونسون لم يكن سعيدا بذلك. المقابلة استغرقت ثلاث دقائق فقط ووقع جونسون خطابا يفيد باستلامه رسالة عبدالناصر التي أعرب فيها عن أسفه في أن العلاقات ليست طيبة في هذا الوقت في رأي باتل أن الرسالة لم يكن لها أي معني في الإطار الواسع ولكنها كانت مثالا للوسائل الغريبة التي استخدمها المصريون عن طريق القنوات غير الرسمية.. مات بيردسال وللغرابة فإن نيويورك تايمز في نعيها له ذكرت أنه كان مبعوثا خاصا للرئيس عبدالناصر هذا صحيح بالطبع ولكن كيف تمت الإشارة إليه في الجريدة فهو أمر غريب ويفسر باتل غرابة هذا الموضوع الذي يمثل أمرا غير مفهوم للأمريكان ويوضح سعي المصريين وراء مركز القوة الحقيقة التي اعتقدوا فيها دائما منذ أيام ثورة عام 1952 والفترة التي أعقبتها حينما كانت لهم بعض الاتصالات مع السفارة وخاصة مع السفير الأمريكي نفسه - جيفرسون في ذلك الوقت - ولكنهم مع ذلك ظلوا علي اعتقاد بأن القوة الحقيقية تكمن في المخابرات الأمريكية وأن الالتجاء إلي القنوات الدبلوماسية العادية يجيء بعد الوسائل الأخري التي يطلق عليها اسم «الأبواب الخلفية» فيما عدا قصة معينة مهمة حدثت يرويها السفير وسنتناولها في حلقة قادمة.