تحالف شيطاني بين ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، ومعاهدة «عدم اعتداء» وقعها الزعيمان هتلر وموسوليني في الثاني والعشرين من أغسطس سنة 1939، وتهيأ معها العالم لميلاد الحرب الطاحنة التي اشتعلت بعد أيام من الإعلان عن توقيع المعاهدة، واكتوي العالم بنيرانها لسنوات دامية متصلة. ما أكثر الكلمات والمصطلحات التي يوحي ظاهرها بمعني يختلف عما يحمله الباطن فالحديث عن عدم الاعتداء يوحي بالنبرة الدفاعية والبحث عن السلام والاستقرار، أما الجوهر الحقيقي فيقود إلي تآلف مدمر لا هدف له إلا الأذي والخراب. الاختلاف ملموس بين شخصيتي هتلر وموسوليني، والتباين غير قليل بين ألمانيا وإيطاليا لكن المشترك المرعب هو التطلع إلي السيادة والهيمنة، والرغبة في التميز والتفوق والطموح غير المحدود للتوسع الاستعماري. لا شك في الشعبية الطاغية التي تمتع بها الزعيمان قبل أن ينكشف أمرهما، وهي شعبية تجاوزت حدود ألمانيا وإيطاليا إلي شتي بقاع العالم، المستفاد هنا أن الظفر بالأغلبية النسبية في سياق تاريخي معين، وبفضل شعارات وردية كاذبة لا ينهض دليلا علي الصواب، لم تتضح الحقيقة إلا بعد أن دفع العالم ثمنا باهظا يتمثل في ملايين القتلي والجرحي والمشوهين فضلا عن الخسائر الاقتصادية الفادحة، والتمزق الروحي الرهيب ما أكثر الذين يتكلمون عن السلام ويدينون العنف والإرهاب، لكن الكلام النظري الفضفاض لا يخفي النوايا المضادة التي تضمر كل ما هو سيئ وشرير، ولقد انتهي الأمر بهزيمة شاملة موجعة لهتلر وموسوليني لكن الأطلال تنهض دليلا علي ما خلفاه من خراب غير مسبوق ما زال دعاة الحرب والتوسع يخدعون العالم بشعارات براقة لا تخلو من بلاغة، وينجذب إليها السذج والبسطاء، لكن الأنياب البشعة تطل من بين السطور المراوغة. لا تتعلم القبيلة البشرية التعيسة من دروس التاريخ، ولذلك تتكرر الكوارث والمآسي ما هي إلا أيام بعد نهاية كل حرب، إلا وتولد بواكير حرب جديدة يزعم أطرافها جميعا أن السلام والعدالة والمبادئ والقيم هي الأهداف النبيلة التي يسعون إليها، فمتي يتعلم الإنسان من دروس التاريخ؟!