حدثان متزامنان حدثا للعالم الإسلامي مؤخراً تجلت فيهما طبيعة العقلية العامة التي تحكم وتتحكم في مجريات الأمور والتعامل مع الأحداث وتتجلي فيهما أيضا أشد ما تتجلي السمة العامة التي تتسم بها طبيعة ردود الأفعال عندنا نحن معشر المسلمين فرادي كنا أو جماعات، أشخاصا كنا أو مجتمعات والحدثان هما: الأول هو القرار الخاص بتوحيد الأذان في مساجد القاهرة، والثاني هو إقدام بعض المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية علي الشروع في الترخيص لبناء مسجد ومركز إسلامي بالقرب مكان أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولنبدأ بالحدث الأول.. من المعروف أنه كان هناك الكثير من الأصوات التي تطالب بالسيطرة علي عملية رفع الأذان من المساجد سواء فيما يخص مكبرات الصوت وما يتعلق أيضا بطبيعة صوت المؤذن الذي يقدم علي رفع الأذان. فمن المأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان يطلب من بلال أن يرفع الأذان لأن بلال كان الأندي صوتا ولنلاحظ معاً التعبير النبوي «أندي صوتا» فبالله عليكم جميعا كم من المؤذنين الذين يقيمون لرفع الأذان لهم صوت يمكن أن نصفه بأنه صوت ندي؟ هذا من ناحية الصوت الطبيعي ونعلم جميعا ما تفعله الميكروفونات في تغيير الأصوات. ونعلم جميعا أيضا أنه مع تنامي عدد المساجد والزوايا أصبح في كل شارع عدد لا بأس به من مكبرات الصوت تتحول مع كل ميقات صلاة إلي ما يشبه المباراة في رفع الأذان وكل مؤذن وما يحلو له من تلحين الأذان وتنغيمه كما يشاء مما يؤدي إلي ضياع هيبة الأذان وعظمة الغرض منه هذا غير التداخل في الأصوات . وما إن شرعت الدولة في عملية توحيد الأذان «وكان هذا مطلبا قديما» وكالاستثناء عادة إذا بالأصوات تتعالي والنفوس تتنمر ضد القرار والمفارقة التي أسوقها ها هنا هي أن توحيد الأذان هو الأصل والتعدد فيه هو الاستثناء فمن المعروف أن لكل منطقة جغرافية توقيتاً خاصاً بها وعندما يحل موعد الصلاة فيها يرفع الأذان وليس هذا فحسب بل أنه علي حد علمي أنه يجوز شرعا من باب التيسير أن تقام الصلاة جامعة في مكان رغم عدم رفع الأذان فيه وهذا معناه أن الصلاة تجوز في جميع مساجد القاهرة حتي ولو رفع الأذان في مسجد واحد فقط فيها لأن القاهرة تمثل منطقة جغرافية واحدة تخضع لتوقيت واحد في وجوب دخول موعد الصلاة. وهذا معناه أيضا أن عملية توحيد الأذان عملية مشروعة وسليمة ولكن مع من نتحدث ونحن نعلم جميعا مدي تغلغل المشاعر الطفولية في نفوس العامة والذين كان أغلبيتهم ضد القرار اللهم لا لشيء إلا لأنه يتعارض مع ما وجدوا عليه آباءهم وتلك لعمري لآفة كبري ولم يخل الأمر بالطبع من أن هناك من المشايخ من رفض القرار من باب الرفض ليس إلا وكان القرار ضد رفع الأذان وليس ضد العشوائية فيه كما هو واضح. أما المفارقة الثانية وهي التي تخص ذلك القرار الأرعن الذي وافقت عليه جميع الجهات الأمريكية المختصة بسرعة وبسهولة تحسد عليها والخاص بإقامة مسجد ومركز إسلامي بالقرب من أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي تحل ذكراه بعد أيام قليلة وهو القرار الذي لقي تأييدا واسعا بين صفوف المسلمين هناك من ناحية، انقيادا وراء الحجج الأمريكية التي تحججت بحرية الاعتقاد والتسامح لدي المجتمع والإدارة الأمريكية تجاه جميع الأديان!! ولا أدري أين عقول هؤلاء المؤيدين لهذا القرار المشبوه الذي يفيض غلا وحقدا علي الإسلام وعلي الجاليات الإسلامية في أمريكا؟ فماذا سيكون موقفهم عندما يمر الأمريكيون يوميا من أمام هذا المسجد الذي يقع علي بعد أمتار من أكثر الأحداث مأساوية في نفوس الأمريكيين؟ وإنني في هذا المقام اتساءل عن دور كبار العلماء وكبري المؤسسات والمنظمات الإسلامية في الغرب تحديداً من هذا التجني علي الإسلام وأهله؟ لماذا لا ترتفع أصواتهم مطالبة بمنع إقامة هذا الصرح الذي سوف يربط أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالإسلام وإلي الأبد. لا أريد الإطالة فخير الكلام ما قل ودل ولكني لا أجد أفضل من الآية القرآنية الكريمة التي تلخص الحال وتجسد الأحوال التي تقول في سورة التوبة: «والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسني والله يشهد إنهم لكاذبون» الآية: 107 .