ككل الفرسان، رفض النزول عن جواده، وظل رغم مرضه ووهن جسده يصارع لأجل ما يؤمن به، وليس أبلغ علي ذلك من عمله الأخير "قصيد في التذلل"، التي وضع فيها الطاهر وطار يده علي موضع العطب في قضية المثقفين، سواء في بلاده أو في أنحاء الوطن العربي لعل اللافت كان تصميمه علي أن تنشر روايته في مصر، حتي ولو من دون مقابل، أراد أن يؤكد علي عبثية أحداث رفض معرض الكتاب الجزائري استضافة الكتب المصرية، وعبثية المواقف المتشددة بين الجانبين، كان رده بليغًا، وجاءت وفاته كحدث أبلغ في اختباره للمشاعر والمواقف، التي توحدت لأجله، فبكاه الجميع هنا وفي الجزائر، وفي أنحاء الوطن العربي. تدور أحداث رواية وطار الأخيرة التي انتهي من كتابتها في 2009، ونشرت في فبراير 2010، في الجزائر، وفيها يرثي لحال المثقفين الجزائريين في الفترة الأخيرة، عبر علاقة زوج وزوجة، كانا يساريين متشددين، التحقا بالعمل السياسي، وعبر عمل الزوج فيما يشبه الثقافة الجماهيرية عندنا، تحول 180 درجة، من النقيض إلي النقيض، ومن رجل مؤمن بدور الفرد، وبضرورة محاربة الفساد، إلي رجل مختلف يحرص علي مصالحه في المقام الأول، وهو ما ينعكس علي علاقته بزوجته، وبكل من يعرفهم، وعبر الرواية يعرض وطار كيف أن تحول المجتمع يغير شكل العلاقة بين المثقفين والفضاء الموجود حولهم في العمل والعلاقات الاجتماعية، في إشارة مباشرة إلي التحولات الفكرية والسياسية التي طرأت علي المفكرين الجزائريين. الناشرة سمية عامر، صاحبة دار كيان للنشر والتوزيع، التي نشر فيها الراحل آخر أعماله "قصيد في التذلل" روت قصة نشر الرواية الأخيرة للطاهر وطار، قالت: لم أتعامل معه مباشرة، ولكن عبر أحد الأصدقاء، الذي كان في زيارة له بالجزائر، وقدم له بعض من أعمال الدار، فأعجب بها وطار، وقرر نشر روايته الأخيرة عندنا رغم أننا كنا بالنسبة له دار مجهولة، لذا كان أمر عظيم أن يقبل بالنشر معنا، لم يتقاضي مليم واحد، كان ترحيبه الأكبر أن تقوم دار نشر مصرية بنشر الرواية. وتكمل: لقد كانت الأجواء التي خرجت فيها الرواية مميزة، عمل فيها الجميع بحب، بداية من مراجعة محمد شعير للنص، مرورا بتصميم عبد الحكيم صالح للغلاف، وحتي خرجت للنور، الكل شعر باهمية ما يفعل؛ الغريب أنه عقب نزولها إلي السوق تصور البعض أنها نص قديم أو طبعة ثانية من الرواية، لم يكن أحد ليتصور أن الطاهر وطار سيوافق علي أن ينشر روايته الأخيرة معنا، وقد حققت الرواية انتشارا لا بأس به بين القراء، وفي الوسط الأدبي، وأتلقي حاليا طلبيات لإعادة طبعها. وتكمل: رشحنا الرواية للبوكر، وقد علمت أنه كان سعيدا للغاية بترشيحنا إياها للجائزة، ولأن حالته الصحية وقت صدور الرواية لم تكن جيدة، حيث كان دائم الانتقال بين الجزائر وباريس من أجل تلقي العلاج، لم يحدث اتصال مباشر، ولكن أرسلت له نصيبه من النسخ، وقد وصلني أن رد فعله علي شكل الرواية وإخراجها وتجهيزها وطباعتها كان طيبا، وأنه أهداها عددا من الأصدقاء بالجزائر. وتضيف: "قصيد في التذلل" هي أول وآخر أعمال الطاهر وطار التي تنشر في مصر علي حد علمي، وقد أهديت السفير الجزائري بمصر مجموعة من النسخ، أهداها بدوره لعدد كبير من الكتب، كما أرسلت عينات منها للمكتبات وقد كانت ردود الفعل طيبة.