أقبل علي أحدهم حين كنت أستعد لركوب سيارتي وبعدما هنأني بالشهر الكريم سأل: هل تعتقد أن رمضان كريم علي الكل أم أن بعضهم استحوذ علي كرمه وترك الباقين أسري بخل المجتمع؟ ابتسمت، واعتبرت السؤال مجرد دعابة، وقدت سيارتي وابتعدت دون أن تفارقني ملامح الرجل الذي بدا واحداً ممن رأوا كرم الشهر المبارك يفيض علي بعضهم فيما آخرون ليس أمامهم سوي طلب رحمة الله. تبدو عبارة التهنئة: رمضان كريم، والرد عليها الله أكرم، هي الأكثر تداولاً بين الناس في مصر منذ اليوم الأول لشهر الصوم وحتي يومه الأخير، أما الطقوس والفلكلور والمظاهر التي تصاحب الشهر منذ بدايته وحتي الساعات الأخيرة فيه ومنها الأغاني في الإذاعة والتليفزيون، أو الزينات في الشوارع، وازدحام المساجد في الصلوات والشوارع في التراويح، كلها صارت من بين مفردات الشهر الكريم. وكلها تضاف إلي ما يفيض به رمضان من خير وبركة وإيمان ورحمة وعدل وصبر وحكمة وكرم وهي الصفات التي تكمن في معني الصوم. في سيارتي استعدت السؤال مرة أخري ووجدت أن الإجابة عليه قد تكون واجبة رغم صعوبتها، وبدأت في البحث عن إجابات: نعم رمضان صار كريماً جداً علي منتجي المسلسلات التليفزيونية وأبطالها، والعاملين فيها وحتي الكومبارس الذين يمرون أمام الكاميرات دون أن يسمح لهم بنطق ولو كلمة واحدة، وكريم علي أصحاب القنوات التليفزيونية والمسئولين عنها، وشركات الإعلانات التي صارت تتحكم في عقول المشاهدين وتقدم له المسلسل مع إعلاناته، أو البرنامج مع سخافاته، وكريم علي الشركات المعلنة ذاتها التي يأتيها رمضان لتفرض قيمها علي الشعب وعلي البلد، وتعلن أن مصر مثلاً اختارت الجمبري!! دون أن يتحرك مسئول في البلد لوقف هذا الهراء، فالكرم عالٍ والإعلانات "بفلوس" وإذا أراد المعلن أن تختار مصر الجمبري فله ذلك، وله أيضاً بحسب ظروفه ومزاجه أن يجعل مصر تختار الكشري أو البصارة أو المسقعة دون أن يحدد لنا اختارت الجمبري لأن غرض ولا ميزة الجمبري عن المسقعة في الاختيار المصري. رمضان كريم جداً علي مستوردي السلع الرمضانية وأباطرة الاتجار في أقوات الغلابة، فخلال الشهر الكريم تسوق البضاعة والسلع والأغذية الفاسدة أو المنتهية الصلاحية ولا تكتشف، ومن الكرم أيضاً أن يفلت هؤلاء من العقاب فالمسامح كريم، كما رمضان تماماً. رمضان كريم أيضاً ثم منظمو حفلات الإفطار والسحور في الفنادق والاندية والمنتجعات والخيم الرمضانية والساحات الذين يعدون الموائد بما لذ وطاب من الأطعمة والمأكولات والمشروبات. في رمضان يزداد الكرم أيضاً حتي علي صانعي الطرابيش الذين تجاوزهم زمن فلم يعد لهم سوي الشهر الكريم ينتجون أعداداً ضخمة منها تستخدم في المسلسلات حتي ولو بدت مضحكة، لأن من يضعوها فوق رؤوسهم لا يجيدون التعامل معها، ورمضان كريم أيضاً علي عمال الماكياج في المسلسلات الذين لم يستطيعوا حتي الآن أن يبتكروا لحي وشوارب تجعل المشاهد يقتنع بأنها حقيقية ويتوقف عن الضحك عليها حتي لو كان الشارب أو "اللحية" علي وجه ممثل يؤدي دوراً مأساوياً. بالفعل رمضان يأتي كريماً علي فئة بعينها تستفيد من الشهر الكريم وتحقق مكاسب وأرباحاً دون أن تقدم للشهر إلا ما يخرج الناس عن اجوائه والله أكرم علي الجميع يكافئ هؤلاء الذين لا يجيدون استغلال كل الشهور وكل المواقف وكل الأحداث ليربحوا، نعم الله أكرم علي الجميع لأنه ينظر الي القلوب وليس الي الاعلانات أو المسلسلات. يبقي الله أكرم من كل كريم يجري ليقف امام المصابيح والعدسات ليحسن من صورته ويصور نفسه من أهل الخير والكرم، ويبقي الله أكبر من كل من يظن انه كبير يتاجر برمضان ويعتقد أنه قادر دائماً علي خداع خلق الله.