ملابس رثة اكتست بها أجسادهم النحيلة واحترقت أقدامهم العارية في عراكها مع الأسفلت وقفزهم المستمر بين السيارات المتوقفة في إشارات المرور، يمدون أيديهم بالسؤال ومنهم من يتعفف ويمدها بأكياس المناديل وأذكار رمضان.. إنهم أطفال الشوارع، في رمضان بلا مأوي. حينما اقتربنا من يوسف -10 سنوات- بدت عليه في البداية علامات الخوف، حتي اطمأن وحين سألناه عن يومه في رمضان قال: «أنا بروح للجوامع بعد صلاة المغرب، لأني عايش لوحدي بتبهدل في الشوارع». «الناس بتخاف مننا ومعاملتهم لنا قاسية.. لكن في رمضان بيتغيروا معانا قلبهم بيحن فشهر رمضان هو شهر الخير والرحمة.. بنلاقي الناس في رمضان تعطف علينا أكتر من غيره من الشهور، ووقت أذان المغرب بنشوف ناس منعرفهمش يجيبوا لنا أكل وشرب.. في المسجد أو هناك تحت الكوبري.. أو علي موائد الرحمن». أحمد البالغ من العمر 9 أعوام كان يفترش الأرض بجوار سور المترو هو وأخته يبيعان بعض الحلوي؛ الذي باح لنا بتفاصيل حياته اليومية التي لا تختلف كثيرا في رمضان عن غيره من باقي الشهور.. حيث ذكر لنا أن والده ترك والدته، وزوجة أبيه لا تريده معها هو وأخته وقامت بطردهما من البيت؛ قائلاً: «ملقيتش غير الشارع» نعيش فيه أنا وأختي». ويضيف: إن راكبي المترو من الموظفين الذين اعتادوا علي رؤيته يوميا يأتون إليه بالطعام والشراب يوميًا، ولكنه لا يلجأ إلي قبولها إلا في حالة الضرورة القصوي ويؤكد: «إحنا بنبيع شوية حلويات ومناديل نجيب بيهم فلوس علشان نشتري اللي إحنا عاوزينه ومنمدش إيدينا كتير لحد». علي الجهة المقابلة وجدنا سيد البالغ من العمر 11 عامًا يجري يمينا ويسارا خلف المارة يطلب منهم أن يساعدوه وإخوته؛ استوقفناه لنسأله، فبادرنا وقال: «حاجة لله عاوز آكل»، فقلنا له سوف نعطيك ولكن حدثنا في البداية ما هو حالك في رمضان؟، وهل تصوم فيه؟، فقال بصوته المتردد: «أصوم»، مفيش حد علمني أصوم إزاي وكام ساعة أصوم، كمان أنا بفضل أجري وألف في الشارع من الصبح، يعني م الآخر مش بأعرف أصوم». وحينما سألناه عن أهله وأسرته أكد أنهم قالوا له: «إنت بقيت زيادة علينا في البيت ولازم تسيب المدرسة وتدور علي شغل وتجيب فلوس»، وقص لنا بصوت يبكي من يسمعه؛ أنه حينما كان يعود لأسرته بدون أموال كانوا ينهالون عليه ضربا، وذات مرة قرر سيد أن يتركهم من قسوة معاملتهم وأصبح الشارع هو المأوي الوحيد الذي يضمه بعدما تركه الجميع وتخلوا عنه. «شهر رمضان ده أحسن شهر عندنا» بتلك الكلمات بدأ عبدالرحمن -10 أعوام- حديثه؛ مشيرًا إلي أنه يجد في هذا الشهر الكريم مساندة ومساعدة من الجميع، وأنه تعلم الصوم من أحد الأشخاص الذين يساعدونه منذ رمضان الماضي. عبدالرحمن يبدأ يومه بالذهاب لمحطات المترو والأتوبيس، حيث يتواجد مارة كثيرون يعطونه بعض الأموال، ووقت الإفطار يجلس في مكان يبيت فيه حيث يعرفه الناس المحيطون بالمكان ويقدمون له الطعام، وبعد التراويح يتوجه للمساجد ويقف علي أبوابها منتظرا خروج الناس من الصلاة لكي يساعدوه. مجموعة من الصبية ممن يفترشون الأرض تحت كوبري أكتوبر، قالوا إن القائمين علي موائد الرحمن يرفضون دخولهم إليها ويطردونهم منها خشية إزعاج المفطرين، فيضطرون إلي البقاء قريبا منهم حتي ينهوا إفطارهم ثم يساعدونهم بأي شيء، أو يذهبون إلي أقرب مسجد يفطرون فيه، في حين يبيعون مناديل وأشياء أخري في المترو ومحطات الأتوبيس في الصباح.