كان لا يزال صغيرًا في طفولته المبكرة، لم يتخط عامه الثالث، عندما داعبته بسؤال: «اسمك إيه يا حبيبي؟» فأجاب محمد: ابن مين؟ فكانت إجابته الصاعقة بالنسبة لي «ابن الأرض»، أصابني الذهول للحظات من أين لهذا الطفل بحكمة هذا العالم، ليختصر النشأة إلي بذرتها الأولي، وكأن حكيما أوتي مفاتيح العلم نطق علي لسانه، ما حييت لن أنسي تلك الكلمة التي نطق بها طفل شقيقتي البكر منذ 17 عاما وهو الآن طالب بكلية الصيدلة. عادت إلي ذاكرتي تلك الكلمة، وأنا أقلب في عقلي تلك الأحداث التي تشهدها مصر، من محاولات لإشعال الفتنة، وخلق الصراع الطائفي، فلا تقنعني دائمًا النظرة السطحية، ولا العلل القريبة للمشكلات، فالبحث عن العلة البعيدة دائمًا ما يصل بنا لجذور المشكلات. من الأرض نشأ آدم أبوالبشر ومنها تناسلت جميع الأجناس، ومع تطور المجتمعات ومرور القرون والسنوات نشأت الدول، وبات هناك من المشتركات ما يربط البشر، سواء رابطة الدين أو المواطنة والجنسية الواحدة. في الدول يعيش البشر تحت سماء واحدة وعلي أرض حدودها واحدة، تحكمهم إدارة واحدة، يتقاسمون مواردها وخيراتها، يعانون مشكلاتها، يتكاتفون للدفاع عنها والذود عن حدودها وسلامتها وحرية ترابها لا فرق بين مسلم ومسيحي أو يهودي وفي بعض الأوطان لا تفرقة نهائيًا حتي بين صاحب الدين السماوي واللاديني أو عبدة النيران، الجميع متساوون في الحقوق والواجبات يحكمهم قانون لا يفرق بين عربي ولا أعجمي إلا بمدي التزامه بواجباته تجاه وطنه ورفاقه. ومع تواجد الشعب والأرض هناك تنافس علي النفوذ فمن يحكم وتكون له الكلمة العليا، وهنا سعي الطامحون للسيطرة علي قطاعات من الجماهير لتتحكم في عقولهم وتوجيهها إلي حيث يولي الطامحون في النفوذ وجوههم. الله خلق الإنسان وأنزل الأديان ليهدي بها البشر إلي الطريق المستقيم قال لا تكذب، لا تسرق، لا تزني، لا تقتل، لا تخن، دافع عن وطنك وأهلك ومالك، اكفل اليتيم واطعم المسكين، لكم دينكم ولي دين، لا إكراه في الدين، لكلٍ حرية الاعتقاد والعبادة والتفكير، فالله واحد وإن تعددت القناعات والديانات. لكن الفهم الصحيح لأي دين إسلامي أو مسيحي أو يهودي لا يرضي المتاجرين فمن أين لهم يربحون وعلي من يسيطرون لتحقيق نزواتهم وجعلهم سلالم لبلوغ غاياتهم، لا مشكلة في النص الديني غير أن الأزمة في التأويل الخاطئ، ففي الإسلام إذا ما سألت أسامة بن لادن ما غايتك سيقول لك تطبيق شرع الله، وإذا ما سألت قادة الجماعة الإسلامية، قبل قتل الرئيس الراحل أنور السادات لماذا تقتلونه؟ سيقولون لأنه يمنعنا من تطبيق شرع الله. اسئل مهدي عاكف ومحمد حبيب مرشدي الإخوان ستلقي نفس الإجابة، اسئل دراويش الصوفية، أو اتباع الوهابية، نفس الإجابة رغم اختلافهم في فهم الدين وصراعهم الذي لا يتوقف. بمن فيهم الشيعة اتباع الفقيه، إن دل هذا فإنما يؤكد أن أزمة هؤلاء في تفسير النص لأن هناك الغالبية المعتدلة هي التي فهمت صحيح الدين؟ هؤلاء المتصارعون باسم تطبيق شرع الله متاجرون متربحون وأحياناً كثيرة مضلون فلن تجد مسلمًا معتدلاً يفهم دينه وسطيًا لديه اتباع يأمرهم فيطيعون طاعة عمياء بلا عقل، لكن هؤلاء مقبلي الأيادي والأقدام، تجدهم لدي الجماعات والحركات. وفي المسيحية تعدد التأويل والتفسير للنص فمنهم الكاثوليك، الأرثوذكس والبروتستانت وغير ذلك من الطوائف المتصارعة بينما الدين واحد وسعي رجل الدين المسيحي للمتاجرة لا يقل خطورة ولا تطرفاً عما يحدث لدي الجماعات الإسلامية سواء كان ذلك قديماً أو ما يحدث الآن، فقديما باع الكهنة صكوك الغفران للبسطاء، ودفعوهم لحروب صليبية باسم الدين لجمع الثروات والسيطرة علي أسواق التجارة، والآن منهم من يتاجر بموقعه الديني ويسعي لاكتساب مكانة معنوية تمكنه من تحريك الجماهير التابعة له دون أدني تفكير.. وإن كانت هذه أزمة عالمية ليست مقصورة علي مصر، فإن تفعيل القانون في مواجهة المتلاعبين بأمن وسلامة الوطن يجب أن يكون السبيل، فلا حصانة لأي مواطن أمام القانون رجل دين أو مدعي التدين حتي لا نحرق وطناً آمناً، فأعلي سلطة دينية مسيحية، الفاتيكان لم تتحصن من نقد الصحافة وتفعيل القانون وللمرة الثانية تعرضت لانتقاد الصحافة وكشف حالات الشذوذ الجنسي لدي رجال يدعون أنهم رجال دين، فهل لنا أن نتصدي في مصر للشذوذ الفكري للكهنه ومحاولات الاستقواء علي الدولة والتحريض المستمر علي التظاهر في دور العبادة؟!