عندما اطالع بعض الصحف "النشطة" واقرأ بعض عناوينها الموجهة نحو هدف معين غير خاف علي احد، اتذكر جوزيف جوبلز وزير الدعاية السياسية في حكومة المانيا النازية ابان الحرب العالمية الثانية، فقد كان جوبلز من اهم وزراء ادولف هتلر والذي اوكل إليه مهمة قيادة الماكينة الاعلامية الالمانية للترويج لفكرة المانيا النازية التي من حقها ان تصبح سيدة اقطار العالم بل ومن حق شعبها ان يصبح هو الاخر سيد شعوب العالم ، ولتحقيق ذلك الهدف حشد الزعيم النازي لوزيره "النشط" كل مقومات النجاح لتلك الماكينة الالمانية شأنها شأن الآلة العسكرية الجبارة وقتها، فكانت كل الامكانات المادية والبشرية التي تم استخدامها لتحقيق الهدف بمثابة اعتراف بقوة تأثيرالآلة الاعلامية علي فكر ونفسية الشعوب والتي تعادل قوة تأثير الآلة العسكرية، ان لم تتفوق عليها .. جوبلز كان صاحب مدرسة اعلامية استطاع من خلالها الترويج للفكر النازي لينضم الي تلك المدرسة الملايين ممن اقتنعوا وآمنوا بفكرة المانيا النازية وكان شعاره المقدس في تحريك ادوات الاعلام هو "اكذب حتي يصدقك الناس"، ذلك الشعار الذي اسس عليه الخطب والشعارات والحملات الاعلانية المستمرة طوال سنوات ما قبل الحرب واثناء الحرب نفسها التي استمرت طوال ست سنوات كاملة ذاق فيها العالم قسوة الدمار ومرارة الخراب .. كان جوبلز ينتقي العبارات اللغوية التي توصله الي هدفه من اقصر طريق وفي اقل وقت ممكن، ومن خلال عباراته وعناوين صحفه استطاع ان يروج لفكرة ان هتلر هو المنقذ للشعب الالماني وهو الملهم الباعث لطاقات جبارة يمتلكها ذلك الشعب الذي عليه ان يضحي بوجبة الطعام من اجل انتاج قنبلة تدمر القوي التي تريد تأخر المانيا عن موقعها الذي تستحقه في طليعة شعوب العالم، وان اثبت الواقع خطأ فكر جوبلز وقائده بهزيمة المانيا واستسلامها، الا ان تلك الحرب قد برهنت علي قوة ادوات الاعلام في التأثير علي الشعوب وابنائها وتشكيل فكرهم وتشخيص آرائهم وتحديد توجهاتهم وفق ما تري آلة الاعلام الذكية، وكما كان جوبلز ينتقي من الاخبار ما يخدم هدفه فان جوبلز الاعلام المصري ينتقي هو الآخر ما يخدم هدفه ايضاً، وفي حادثة المذيع المصري الذي قتل زوجته عقب مشاجرة بينهما دليل علي وجود جوبلز في الاعلام المصري، فقد سردت احدي الصحف«الشنطة» الحادث الجنائي من زاوية تقصير اجهزة الامن المصرية في منع وقوع جريمة القتل، وذكرت ان المذيع اتصل بشرطة النجدة مرتين يخبرهم بنيته قتل زوجته قبل الشروع في اقتراف الجريمة بأكثر من خمس واربعين دقيقة، وعندما لم تستجب الشرطة لندائه ارتكب جريمته .. ذكرت الصحيفة بلاغ الجاني ثلاث مرات في سياق سردها لوقائع الجريمة ليظهر جهاز الشرطة وكأنه المتسبب في وقوع جريمة القتل التي هي في حقيقة الامر نهاية خلافات زوجية استمرت طوال سنوات الزواج التي وقع الطلاق فيها مرتان من قبل نتيجة لعدم تفاهم طرفي الرباط المقدس، ومن قبل تلك الحادثة الاخيرة كانت هناك حوادث عدة استخدمها جوبلز المصري لتوجيه الرأي العام نحو وجهة معينة لتظهر مصر سوداء لا امل لها ولا فيها نحو تحقيق ما تأمل فيه وتستحقه، وان النهاية قريبة وان ابتعد ميقاتها .. جوبلز المصري يستخدم ادوات الاعلام بحرفية عالية لتحقيق هدف معين ينفذ سبل اخراجه الي النور من خلال اسطر المقالات المكتوبة والتحليلات الميدانية من قلب الشارع، والأحاديث الصحفية مع نجوم المجتمع بكل اطيافه والعناوين المثيرة الخاطفة والصور الصحفية الصادمة والعبارات الانسانية المؤثرة في النفوس وذلك في سبيل تحقيق هدفه الذي لا يستطيع ان يعلنه صراحة لأنه لا يملك شجاعة نظيره الالماني جوزيف جوبلز في الافصاح عن هدفه والاعلان عنه..