لا يمكن أن نتجاهل الحدث رقم 19 في تاريخ المونديال الذي بدأت فعالياته في جنوب أفريقيا في 11 يونيو الماضي وشغل العالم أجمع لمدة ثلاثين يوما لعل 11 يونيو يعد يوما تاريخيا في ذاكرة أهالي جنوب أفريقيا حيث يعيد إلي الأذهان اليوم الذي أصدرت فيه محكمة جنوب أفريقيا حكما بالسجن في عام 1964م علي نيلسون منديلا ورفاقه بدعوي التخريب، الغريب أن جنوب أفريقيا تلك الدولة التي كانت محرومة من المشاركة في المحافل الرياضية الدولية حتي تخلت منذ 16 عاما فقط عن سياساتها العنصرية المعروفة بالأبارتايد هي الدولة الافريقية الوحيدة التي اقتنصت شرف تنظيم استضافة الحدث الذي تنظمه الفيفا كل أربع سنوات، ومن المعروف أن جنوب أفريقيا تعاني من مشاكل اجتماعية وأمنية عديدة، الأمر الذي أدخل الشك في قلوب الكثيرين في أن هذه الدولة سوف تنجح في إخراج المونديال بشكل مرضٍ ولكن المفاجأة أنها حققت نجاحا باهرا في الخروج بسفينة المونديال إلي بر الأمان. من الملاحظ أن جنوب أفريقيا تعاني من مشاكل كثيرة اجتماعية وصحية وأمنية.. ليست دولة كبيرة حيث لا يتجاوز عدد سكانها 49 مليون نسمة ومن المعروف أيضا أن دخل الفرد في جنوب أفريقيا لا يتجاوز 800 دولار شهريا وتعاني من البطالة التي بلغت نسبتها 25% وكذلك بلغ عدد المصابين بالإيدز حوالي 11% من السكان وبفضل هذه المثالب فإن آراء كثيرة ظلت تشير إلي أن التجربة سوف تثبت فشلها وتوقع الكثير من المحللين ونقاد الرياضة أن مونديال 2010 سوف يسجل كأسوأ حدث رياضي في تاريخ المونديال منذ انطلاقته في عام 1930م لقد أثبتت جنوب أفريقيا أن دول القارة السوداء لا تقل عن دول القارات الأخري في تنظيم المونديال حيث أعرب البلجيكي جاك روج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية عن سعادته قائلا: إن جنوب أفريقيا يمكنها أن تشعر بالفخر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2010م. لقد أنفقت جنوب أفريقيا الكثير من الأموال لتوفير الأمن وإعداد البنية التحتية وإنشاء الملاعب والفنادق التي تستقبل الملايين من مشجعي المنتخبات العالمية، فبالإضافة إلي الملاعب الخمسة التي تزين مدنها فإن جنوب أفريقيا قامت بتشييد خمسة ملاعب جديدة بلغت تكلفتها الإجمالية أكثر من مليار دولار، وقامت بتطوير بنية المواصلات في المدن المضيفة كما سعت لتوفير الأمن والأمان لكل الضيوف وهذا تطلب جهدا غير عادي ولاسيما أن سجل جنوب أفريقيا في مجال الجريمة يفوق كل دول العالم حيث تبلغ حالات القتل 50 قتيلا يوميا لقد خضعت جنوب أفريقيا للمعايير الأمنية التي أقرتها الفيفا ومنها حظر الطيران في المنطقة المحيطة بالملاعب. لن تنسي الجماهير الأفريقية هذا الحدث لعدة أسباب: أولا لأن دولة أفريقية نجحت لأول مرة في استضافة المونديال. ثانيا: لغرابة نتائجه حيث أصابت اللعنة منتخبات طالما صالت وجالت في الماضي واحتكرت هذه الكأس التي تبادلته منتخبات أوروبا وأمريكا اللاتينية إذ لم يخرج الكأس من دائرة خمس فرق هي البرازيل وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأورجوي، كل هذه المنتخبات خرجت تباعا من دائرة المنافسة في مونديال 2010. ثالثا: انحصرت المنافسة علي الكأس رقم 19 بين منتخبين مغمورين لم يسبق أن فاز بها أحدهما: هولنداوإسبانيا. ورغم أن المنتخب الهولندي سبق أن وصل إلي النهائيات إلا أنه خسر المباراة النهائية أمام إسبانيا التي تصل إلي النهائيات لأول مرة في تاريخها. لعلنا نتفق جميعا في أن القارة الافريقية حققت نجاحا ملموسا في استضافة مونديال كأس العالم 2010، وهذا الإنجاز أسعد سكان القارة السوداء غير أن أهلها مازالوا ينتظرون منتخبا أفريقيا يتجاوز دور الثمانية ويفوز بهذه الكأس لأول مرة في تاريخ القارة.