بالرغم مما يثار عن هجرة تركيا لحليفها الغربي واستدارتها عنه متوجهة نحو الشرق طامحة في زعامة المنطقة، إلا أن رؤية مختلفة مصدرها الدوائر الأكاديمية ذهبت الي أن مصالح واشنطن تقتضي التحالف مع أنقرة علي الأمد البعيد.. بل عليها أن تتحالف مع "المارق الايراني" أيضا وتستبدل حليفيها الحاليين في الشرق الأوسط وهما اسرائيل والسعودية بتركيا وايران لتدشن شراكة ثلاثية بين واشنطنوأنقرةوطهران. هذا الطرح قدمه ستيفن كينزر أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن في مقال له بمجلة "أمريكا بروسبكت" في عددها الحالي (يوليو - أغسطس) معتبرا أن شراكة واشنطن مع الرياض وتل أبيب في العقود الماضية خدمتها جيدا خلال الحرب الباردة، لكنها لم تنتج شرق أوسط مستقراً. واقترح كينزر أن تروي واشنطن ظمأ الايرانيين المتعطشين للديمقراطية وتدشن شراكة مع طهران تضع حدا لملفها النووي وهو ما لن يتأتي عبر منهج العصا الأمريكية، بعد أن رأي أن ايران يمكن أن تكون كما تركيا الآن ملتقي للشرق والغرب معا في المستقبل. وقال إن الانتخابات الرئاسية الايرانية العام الماضي والتي انتهت بالتجديد للرئيس محمود أحمدي نجاد، كشفت أن القيم الديمقراطية متجذرة في العمق الايراني إذ أزالت القشرة السميكة للحكم الديني لتتكشف ملامح مجتمع مدني نابض بالحياة وشباب وطني هو "أفضل جيل يفهم الديمقراطية ويتطلع اليها في العالم"، أما تركيا فاعتبر البروفيسور الأمريكي دورها في المنطقة "أكثر مشروعات تركيا الدبلوماسية طموحا في تاريخها" لأنها تسعي لامتلاك القوة عن طريق حل الصراعات الاقليمية عبر لغة الحوار والتفاوض التي لا تخلو من مساومات. واذ يقر كينزر بعدم كون هذه الشراكة الثلاثية بين واشنطنوأنقرةوطهران واردة في الوقت الحالي، إلا أنه يقول إنها ستبدو منطقية لاحقا لأن الدول الثلاث تجمعها مصالح استراتيجية وقيم مشتركة تتمثل في الديمقراطية، معتبرا أن الشكل المتطور للعلاقات التركية الأمريكية في الوقت الحالي تشكل نموذجا لما قد يكون في المستقبل مع ايران. واشترط الكاتب الأمريكي أن تتغير الأطراف الثلاثة لكي يتهيأ المناخ لهذه الشراكة، قائلا ان تركيا عليها حل بعض المسائل الداخلية مثل توسيع حرية التعبير ووقف تدخل الجيش في السياسة وحماية الأقليات واصلاح الصحافة والأحزاب وتطوير نظام التعليم حتي تصبح منارة للحرية وتستفيد بشكل كامل من وضعها الفريد، اذ لا توجد بلد غيره يكون دبلوماسيوها مرحبا بهم في كل من طهرانوواشنطن وموسكو وتبليزي ودمشق والقاهرة، كما انها النموذج الوحيد الذي يحظي باحترام حماس وحزب الله وطالبان وفي نفس الوقت يقيم علاقات جيدة مع الحكومات الاسرائيلية واللبنانية والأفغانية سوي تركيا. أما ايران، فيقول الكاتب الأمريكي ان التعاون معها شرط ضروري لتحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة من ارساء الاستقرار في العراق ولبنان وانهاء الجمود في ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي واضعاف الأصولية الاسلامية وهزيمة تنظيم القاعدة والتقليل من مخاطر الحروب القادمة اضافة الي وقف التهديد الذي تشعر به اسرائيل في المنطقة و"ترويض" جماعات مثل حماس وحزب الله بما يعزز من أمن اسرائيل، مشيرا الي أن ايران الهادئة المزدهرة قد تكون بالنسبة للشرق الأوسط كما ألمانيا الهادئة المزدهرة بالنسبة لأوروبا.. قوة استقرار موفرة للأمن ومحرك للتنمية الاقتصادية. ودعا كينزر لبدء مفاوضات بين أمريكا وايران تؤدي الي انفراجة دبلوماسية بين البلدين، معتبرا أن النظام الايراني نفسه في حاجة للتوصل الي صفقة فنظامها يتوق للشرعية، كما أن احتياجاتها الأمنية لا تستطيع أن تلبيها سوي واشنطن. وقال في النهاية "قد يكون من المستحيل بالنسبة للولايات المتحدة جعل ايران شريكا ظالما طالما النظام الحالي في السلطة، ولكن يجب علي الأمريكيين ألا يقوموا بما من شأنه أن يجعل هذه الشراكة أكثر صعوبة عندما تتوافر الظروف المناسبة".