مازلنا مع تداعيات أزمة حكم الإدارية العليا بشأن الزواج الثاني للمطلقين الأقباط، وحالة الهجس التي تملكت علي الذهنية القبطية، وحالة الاستنفار التي يحشد لها، وفي ظل هذا المناخ الملتهب يتم تمرير مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية للمسيحيين المصريين، بعجلة وتوتر باديين، وكأن كل الأطراف تود أن تغسل يدها من دم الأقباط، وعندها ما تقوله في تبرير ذلك، بعد تصوير الأمر علي أنه شأن قبطي داخلي ، ورئاستهم الدينية أدري بمصلحتهم، فلندعهم وشأنهم، ولنغلق الباب الذي منه تأتي الريح المقلقة والمتصحرة، في إغفال لكون الأقباط مواطنين مصريين ولقضاياهم بعد مدني لا يمكن إغفاله، وأن دولة الملل والنحل والطوائف قد تجاوزها الزمن لما يزيد علي قرن من الزمان. وفي فورة الغضب الشعبوي المنبني علي تسريبات مدروسة ومهيجة تفتعل معارك وهمية، وتصرخ من خطر مختلق كالذئب المتوهم في حكايات الأطفال لا نلتفت إلي المخاطر المستقبلية التي تنطلق من اعتماد وإقرار المشروع المقدم تهيئة لسنه كتشريع، بغير نزع الغامة، وفي إيجاز اشير إلي بعض منها : استناداً إلي اعتماد مقولة " أنه لا اجتهاد مع النص " ضيق المشروع أسباب التطليق ليحصرها في سببين هما الزني وتغيير الدين،(مواد : 113 و 114) ثم يتوسع فيما اعتبره زني حكمي، (مادة: 115) والذي يمكن اثباته بحسب المشروع بقرائن واهية يمكن في ضوء التطور التقني اصطناعها ولا تملك الكنيسة آليات كشفها، ولم تدرك أن هذه المقولة لا تتسق ومفهوم النص في المسيحية ، ولو أخذنا بها لتوجب علي الكنيسة ان تلغي تقليدها بجملته لأنه هو بمثابة اجتهادات الآباء مع النص من خلال خبراتهم بحسب عصورهم المختلفة، وهي بهذا تفقد أحد مقومات وجودها. وفي عدم استيعاب لمفهوم الغفران في المسيحية يؤكد المشروع علي عدم زواج من طُلق لعلة زناه (مادة: 22 و مادة: 32 فقرة 9)، وكأنه يشكك في عقيدة الفداء أو جعل الغفران جزئيا، وجعل الزني لا يخضع لفاعليات دم المسيح الغافر. ولم يلتفت لمعالجة القديس بولس لتلك القضية وفي ظرف مشدد إذ قضي بمعاقبة المخطئ ثم أعاده لعضوية الكنيسة، بغير انتقاص، حتي لا يختطفه شيطان اليأس، وفاته أيضاً ان السيد المسيح كان يناقش قضية الطلاق في مجال محاورة مع الفريسيين كان هدفها الإيقاع به (وجاء إليه الفريسيون ليجربوه ..)، وعندما جاءوا اليه ثانية وقالوا له يا معلم هذه المرأة امسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسي في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم.فماذا تقول انت. قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه،... قال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر. وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الي الآخرين.وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط... فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحد سوي المرأة قال لها يا امرأة اين هم أولئك المشتكون عليك اما دانك احد، فقالت لا أحد يا سيد.فقال لها يسوع ولا انا ادينك.اذهبي ولا تخطئي ايضا... فأين العقوبة وأين الحكم وأين التأبيد فيهما . مفتاح حل هذ الإشكالية نجدها في قول الإنجيل (واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم ) ولا تعليق. وفي تعرضه لفترة الخطوبة، اقتصر علي الجانب الإجرائي (مواد من 1 إلي 12) ولم يقترب من التزامات الكنيسة حيال هذه الفترة وهو أمر وجوبي، يجفف منابع الوصول الي محكمة الأسرة وربما محكمة الجنايات، وإن كنت لا استغربه في غياب رؤية استراتيجية لمنظومة الرعاية المفككة وربما الغائبة، والتي لهم فيها مآرب أخري لا تصب في حماية الأسرة ولا ابدية اولادها. ولنا فيها حديث مفصل مع بقية ألغام المشروع الذي يدفع آلاف الأقباط الي الوقوع فيما هو أخطر من الزني، في مقال تال.