سار الكاتب البرتغالي، الفائز بجائزة نوبل (1998)، جوزيه ساراماجو « 1922 - 2010» علي خطي جده جيرونيمو، الذي نعاه أثناء تسلمه جائزة نوبل قائلا: «ذهب إلي حديقة بيته، هناك بضع شجرات: أشجار تين وزيتون، ذهب إليها واحدة واحدة واحتضن الأشجار ليقول لها وداعا، لأنه كان يعرف أنه لن يعود». لم يكن ساراماجو يقص عن جده إلا ليلخص بطريقة غير مباشرة فلسفته في الحياة، التي قدمها في كتاباته، التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنساني، وانتهي إلي أن الرجل إذا رأي شيئا كهذا أو عاشه، ولمْ يترك فيه ندبا إلي آخر العمر، فإنه رجل بلا إحساس، وها قد جاء الدور عليه ليودع أشجارا هو الآخر. أطفأ ساراماجو شمعته الأخيرة في «لانزاروتي» بجزر الكناري، التي يعيش بها مع زوجته الإسبانية بيلا ديل ريو، المترجمة الرسمية لأعماله إلي الإسبانية والتي تزوجها في 1988، ووصف رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه سوكراتس فقدان ساراماجو ب«خسارة كبيرة للثقافة البرتغالية». دفع الكاتب الراحل ثمن الجدل الذي أثارته كتاباته خاصة في رواياته كما في «الإنجيل حسب المسيح» أو في «قابيل» حيث يبرئ قابيل من قتل أخيه هابيل، أو بمواقفه السياسية كما في 2006 خلال حرب لبنان حين شبه الأراضي الفلسطينية المحتلة بمعسكرات «أوشفيتز« النازية، دفع ثمن هذا الجدل، بالنفي الاختياري منذ عام 1992، عندما استثنت حكومة البرتغال عملَه المثير للجدل «الإنجيل حسب المسيح» من قائمة ترشحياتٍ لجائزة أدبية، بعدما أثارت غضب الكنيسة الكاثوليكية البرتغالية والفاتيكان. ولد ساراماجو في 1922 في بلدة ريفية وسط البرتغال، وفي 1924 انتقلت عائلته إلي لشبونة، غادر المدرسة في الثانية عشرة وعمل ميكانيكيا، كما عمل لاحقا في حياته مترجما وصحفيا، قبل أن يكرس نفسه كاتبا في مسيرة توجت بجائزة نوبل للأدب. أصدر ساراماجو وهو في الخامسة والعشرين روايته «أرض الخطيئة«، لكنه لم يستأنف الكتابة إلا بعد 19 عاما بديوان شعري، ليضع نفسه علي قائمة الكتاب العالميين عام 1982 برواية «بالتزار وبليموندا«، وهي قصة حب تدور في برتغالِ القرن السابع عشر. اختار ساراماجو لأعماله مواضيع خيالية، ففي «الطوف الحجري»، التي نشرت عام 1986، تنفصل الجزيرة الإيبيرية عن أوروبا وتسبح عائمة في المحيط الأطلسي، وفي رواية «العمي« التي نشرت في 1995 يصاب بلد بأكمله بالعمي الأبيض. بهذا الأسلوب عالج ساراماجو أكثر المواضيع جدية، ركّز دائما علي الوضع الإنساني والعزلة التي تفرضها الحياة الحضرية الحديثة، وانتقد بشدة ودون مواربة التاريخ البرتغالي والمؤسسة الدينية والمحافظين.