أنا في طريقي لعاصمة عربية للاشتراك في ندوة تليفزيونية عن العولمة. لست أتوقع مفاجآت، عندما يأذن لي الله بسلامة الوصول، سأجد في انتظاري مندوب العلاقات العامة، سأركب سيارة أمريكية أو يابانية يقودها سائق من بلوشستان محصوله من اللغة العربية كاف لاستمطار اللعنات علي أمريكا وبلاد الغرب بوصفها العدو الذي يفسد حياتنا ويمنعنا من التقدم. الطريق من المطار إلي الفندق ناعم كالحرير، سأعرف من السائق أن شركة كورية هي التي أنشأته، عند باب الفندق، سيفتح لي الباب شخص هندي مهذب، ارتدي ملابس مزركشة تذكرك بالمهراجا، سيتناول حقيبتي شخص من الصومال، علي يمين الباب سيحييني ضابط الأمن الخاص المصري بابتسامة عريضة، موظف الاستقبال سوري، سيحصل علي صورة من جواز السفر، باكستانية رشيقة، ستأتيني بمشروب الضيافة بابتسامة فيها من الحلاوة أكثر مما في كأس البرتقال الذي أحضرته. عامل من بنجلاديش سيحمل لي حقيبتي إلي الغرفة، لن يقف لي مبتسما في انتظار البقشيش، سأعتذر له باللغة العربية لعدم وجود عملة البلد معي، لن يفهم حرفا واحدا مما قلته ولكنه سيبتسم ابتسامة مفهومة في كل اللغات وهو يقول في سره: آه... أنت واحد من الأوغاد ضيوف الحكومة... لماذا لا تعطيني دولارا... أو يورو... أو حتي خمسة جنيهات مصرية؟ في المطعم، ستقوم علي خدمتي حسناء من ليتوانيا، قوامها يذكرك بالأفلام الأمريكية المسموح بها للكبار فقط، المتر دي أوتيل، إسباني. مدير الأغذية والمشروبات كندي، مدير الفندق هولندي، نائب المدير إنجليزي. في الصباح سأجد أمام الباب جريدة عربية والهيرالد تريبيون. لقد سارت الحياة في طريقها، تصنع العولمة في المنطقة العربية بطريقتها في ثبات وتركت المثقفين في السبنسة يعترضون ويحتجون علي العولمة الشرسة. غدا مساء في الاستوديو سأتكلم مدافعا عن العولمة، كما لو كانت في حاجة لمن يدافع عنها، أو كأن موافقتي عليها أو موافقة سيادتك ستسمح لها بالوجود الفاعل، سيجلس أمامي وأمام الكاميرات مثقف مناضل، في الغالب سيكون مرتديا ساعة سويسرية أو يابانية حول يده، وبدلة صوف هيلد انجليزي، ورابطة عنق فرنسية من الحرير الطبيعي المستورد من الصين، سيقول إنه ليس ضد العولمة الإنسانية، ولكنه ضد العولمة الشرسة التي ستلتهم ثقافات وتقاليد وخصوصيات العالم الثالث عموما والعرب خصوصا، وأن كلمة العولمة هي آخر اختراع في القاموس الأمريكي للهيمنة علي العالم، وأنه لولا العولمة الشرسة لما حدث في العراق ما يحدث الآن من مجازر. وبينما أستمع إلي كلماته التي ينطقها في حدة وتوتر، أتساءل بيني وبين نفسي: تري، ما الحدود الفاصلة بين العولمة الشرسة والأخري الطيبة؟ وهل الحسناء اللتوانية التي قدمت لي العشاء بالأمس، من نتاج العولمة الشرسة أم الإنسانية؟ الإجابة عن هذا السؤال تشكل بالنسبة لي مسألة حياة أو موت، لنفرض انها عولمة شرسة، أليس من الجائز أن تدس لي السم في الطعام، وهذا المدير الإنجليزي، هل من المحتمل أن تكون مهمته التي كلف بها هي تطفيش الزبائن للقضاء علي الحركة السياحية في هذا البلد؟ والشركة الكورية التي أنشأت الطرق أليس من المحتمل أنها زرعت تحتها ألغاما تنفجر في الوقت الذي يحدده شياطين العولمة؟ وتبدأ مداخلات السادة المشاهدين، ستأتي مكالمات تليفونية من أنحاء العالم، عدد كبير منهم سيوجه لي اتهامات قاسية وخصوصا هؤلاء الذين شاء حظهم التعس أن يعيشوا في أوروبا وأمريكا بعيدا عن منطقتنا الساحرة الجميلة. فجأة سأجد نفسي مسئولا عن كل مصائب المنطقة، بالطبع سأدافع عن نفسي وفي النهاية، سأهزم بالضربة القاضية.