يحتفل هذه الأيام الفنان والناقد كمال الجويلي بعيد ميلاده التسعين، والذي شارك في إثراء الحياة التشكيلية بإبداعاته النقدية لسنوات قاربت السبعين، ومازال حتي الآن لم تنضب جعبته من العطاء، واشتهر الجويلي برعايته لشباب الفنانين والوقوف إلي جوارهم، وبعد ذلك يبحث عن الجديد، تتلمذ علي يد الفنان الرائد أحمد صبري، يري الجويلي أن الحركة التشكيلية الآن يختلط فيها الحابل بالنابل، وتحتاج إلي عملية فرز . «روزاليوسف» التقت «شيخ النقاد» التشكيليين، وكانت لها معه هذا الحوار. في عيد ميلادك التسعين كيف تنظر للرحلة والمسيرة؟ - بدأت ممارسة النقد عام 1952، ومن حسن حظي أنني بدأته في جريدة "الأهرام"، والآن كلما التقيت بفنان حتي لو كان من جيل الرواد يقول لي "أنت أول من كتب عنا"، ولذلك فأنا أشعر أنني متابع للحركة التشكيلية منذ البداية، وهذا يسعدني ويشعرني أنني أعيش في أعماق الحركة، كما أنني اكتسبت نوعا من الخبرة مع السنين، وراجعت نفسي كثيرا، وتقييمي لمسيرتي يكمن في البحث المتواصل والشعور بأن المعرفة بحر لا ينتهي. هل راودتك خلال سنواتك التسعين أحلام لم تحققها؟ - أولا الذي لم يتحقق حتي الآن هو جمع مختارات من كل ما كتبته منذ أكثر من ستين عاما لأضمه في كتاب واحد، وأعتقد أنه سيكون سجلا للحركة التشكيلية لتقييم فناني الأجيال منذ البداية، أما عن أحلامي الجديدة فهي لم تنته، وهي أحلام وآمال لي وللحركة التشكيلية ممتزجة مع بعضها البعض، فأحلم أن أعود للإبداع الفني بجانب النقد، وأنا منذ البداية غير مقتنع بأن أبدع في المجالين في وقت واحد، ولذلك مع الأسف الشديد ركزت علي النقد وأهملت التصوير والإبداع، رغم أنني كنت قد قطعت شوطا كبيرا فيهما، وتمكنت من فن "البورترية"، فأرجو أن أعود إليه قريبا، ولي أيضا بعض الآمال الخاصة بالحركة التشكيلية، فقد تأملت كثيرا ما يحدث علي الساحة التشكيلية منذ بداية القرن العشرين، ولاحظت أن التعليم الفني لا يأخذ حقه، وأن الموجات الفنية الجديدة المتسارعة تؤثر في الشباب، وليس لهم ذنب في هذا، ففكرت في تنظيم دورات تقام في مختلف المحافظات تقوم عليها المؤسسات الثقافية مثل هيئة قصور الثقافة وكليات ومعاهد الفنون، بحيث نوجه هواة الفن إلي تأمل الطبيعة والنظر إليها، ومحاولة تعميق الإحساس بها، والتعبير عن ذلك من خلال مجالات الفنون المختلفة، وقد قمت بتجربة مبدئية مع بعض الشباب والأطفال ونجحت، وأملي أن تعمم. ما هي الأشياء التي أثرت في إبداعك النقدي والفني؟ - أول وأكبر تأثر كان من جانب المعلم الأول والأخير بالنسبة لجيلي الفنان أحمد صبري، بمعني أنه كان يشرح ويحلل باستفاضة، علي نقيض زملائه الذين كانوا يرون أن تدريس الفن يكون بممارسته أمام الطلبة، ولاحظت أن معظم التلاميذ كانوا أقرب إلي بصمة الفنان من الأستاذ، أما صبري فأتاح لكل من درس علي يديه أن يكون له أسلوبه ورؤيته الخاصة، وأنا من هؤلاء، وأيضا حامد عويس، حامد ندا، عبد الهادي الجزار وآخرون. هل يري الجويلي أنه أخذ ما يستحقه من اهتمام؟ - هو اهتمام وتقدير أدبي، كالمشاركة في بعض اللجان، مثل لجنة الفنون التشكيلية في المجلس الأعلي للثقافة، ولجان التحكيم في المسابقات، أما إذا كان المقصود بالتقدير هنا الحصول علي جوائز فأنا بعيد عنها، وقد قال لي وزير الثقافة في أحد الاجتماعات أنه لاحظ أنني لا أطلب شيئًا لنفسي، وتساءلت هل أصبح التقدير الأدبي والمعنوي والحصول علي جوائز يتم من خلال الطلب والإلحاح، وتذكرت أن الكثيرين يفعلون ذلك، وأيضا واقعة حدثت مع فنان شعر بالغبن فاتصل بكل أعضاء المجلس الأعلي الذي يفوق عددهم الأربعين متظلما لهم، فمنحوه جائزة الدولة التقديرية، وأنا لم أفعل هذا طوال حياتي. هل تري أن الناقد التشكيلي مظلوم؟ - المسألة ليست مسألة ظلم فقط، ولكن هي ظاهرة عامة في المجتمع، بمعني أنه لم يحدث أن منح ناقد تشكيلي منحة تفرغ ليتمكن من ممارسة عمله دون الوقوع تحت الضغوط المادية حتي اليوم، وكل النقاد عملوا في الصحف كفنانين ورسامين وصحفيين وكتاب بشكل عام، ثم اهتموا اهتماما شخصيا بالكتابة عن المعارض، أي أنهم تسللوا إلي هذا المجال حتي تأكدت بصماتهم وأصبح الفنانون ينتظرون آراءهم علي صفحات الجرائد والمجلات. أنت رئيس الجمعية المصرية للنقاد، لماذا خفت صوتها في السنوات الأخيرة؟ - هذا صحيح، فقد خفت صوت الجمعية التي أتولي مجلس إدارتها، آمل في إحياء نشاطها من جديد، ولكن ألاحظ أن العديد من الجمعيات الثقافية والفنية في مجالات المسرح والسينما والنقد الأدبي وخلافه يرتفع صوتها وينخفض مع الزمن، وكأنها تفقد شبابها مع مرور الوقت كالكائن الحي، وعلي سبيل المثال حين ندعو إلي ندوة حول موضوع هام مثار يشغل الحركة التشكيلية، وقد تكرر ذلك، لا يشارك فيها معظم أعضاء مجلس الإدارة ، فما بالنا بأعضاء الجمعية، أما عن مجلة "النقاد" فقد أصدرنا ثلاثة أعداد باعتبارها دورية فصلية وكنا نأمل أن تتحول بعد ذلك إلي شهرية ثم أسبوعية، ولكن سادت اللامبالاة في الاجتماعات التحضيرية من جانب الغالبية، وحدث نوعا من التشتت، بالإضافة إلي بعض الصراعات وتناقض وجهات النظر والمواقف الشخصية، مما دفعنا إلي تأجيلها عدة مرات، والأمل مازال قائما في إحيائها مرة أخري، ويتملكني شعور اليوم بأن من سينقذون المجلة والجمعية هم شبابها. بعد طوال هذه الخبرة التي مررت بها كيف تري الساحة التشكيلية حاليا، وما تطرحه من أفكار جديدة؟ - "سمك.. لبن.. تمر هندي"، فهي خليط من أعمال سطحية، وأعمال جادة، وهنا يختلط الحابل بالنابل، وعلنا أن نعيد الفرز من جديد، وتلك مسئولية كبري. بماذا تنصح الفنانين والنقاد؟ - أقول للفنانين الشباب ابدأوا بداية صحيحة، فعليهم إدراك أن الفن لغة، فلكل مجال لغته الخاصة، وهذه اللغة لابد أن تدرس أكاديميا في مراحلها الأولي.