من الأقوال التي تغيظ (تعيش وتاخد غيرها).. ولا أعتقد أن أحدًا قد قيلت له هذه العبارة المأثورة إلا وقد اغتاظ جدًا جدًا و«تعيش وتاخد غيرها» مرتبطة إلي حد كبير بالثقافة الشعبية المصرية، التي تفسر هذا القول علي أنه دعوة بطول العمر.. فمهما حدث لك من مشاكل ومهما ضحك عليك هذا واحتال عليك ذاك، فلا تغضب لأن في العمر بقية وطبعًا مادام في العمر بقية ستأخذ مقالب جديدة ويحتالون عليك مرة ومرات، ويقولون لك: (تعيش وتاخد غيرها)!! ومن أكثر المرات التي نشبّ علي سماع تلك العبارة فيها موقف السقوط في الشارع.. ليس طبعا بسبب «ما يقع إلا الشاطر» لأنك إذا كنت «شاطر» أو لم تكن «شاطر» فستقع حتما بسبب الحفرات الموجودة بالشارع، أو علو الأرصفة الجانبية، أو ارتفاع البالوعات!! حينئذ تجد من حولك يتمنون لك طول العمر حتي تستمر في السقوط في البالوعات، ومرة تجرح قدمك ومرة أخري تنكسر رجلك، أو تلقي عليك المخلفات من النوافذ، أو يعقرك كلب ضال، أو تتأخر في إشارة المرور ولا تلحق بالقطار، أو الطائرة، والقائمة لا تنتهي!! أما الاحتيال والنصب فغالبا ما يكون ضحاياه من سامعي هذه العبارة المقيتة: (تعيش وتاخد غيرها، ويتنصب عليهم تاني وتالت.. المهم نعيش).. وكأنك تعيش فقط حتي تأتي الفرص وينصبون عليك.. أعرف صديقة لي من الذين لا يمر عليهم أسبوع إلا ويسمعون (تعيش وتاخد غيرها)!! لدرجة أنها تتمني أن (تموت ولا تاخد غيرها).. فقد تعبت مما أخذته من مقالب، ومن استغلال، ومن سوء حظ وتعثر، إلي آخر ما تفيض به الحياة من تلك النوعية. لماذا نقبل أن يحتال علينا؟ لماذا نتحمل الحياة بهذه الطريقة؟ لماذا لا نقول: (تعيش وتتعلم) بدلا من (تعيش وتاخد غيرها).. علي الأقل يكون للحياة معني فتتعلم فيها من سوابق غفلتنا، ونأمل ألا نسقط مرة ثانية.. لماذا لا نتبع المثل الرائع: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)؟ هل لأننا لا نؤمن؟ لا نؤمن بأنفسنا؟ أم لا نؤمن بالمجتمع؟ أم لا نؤمن بأن أقدارنا ستتيح لنا أن نقوم ولا نسقط؟ أم لا نؤمن بالخير في الناس؟ في الحقيقة ما لا أؤمن به علي الإطلاق هو هذه المقولة، ولا استخدمها أبدا، ولا أحب أن اسمعها لنفسي أو لغيري.. وأفضل مقولة (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين).. وأؤمن أننا ينبغي أن نربي أبناءنا علي الثقة بالنفس، والإيمان بأنفسهم وبقدراتهم علي التعلم من الأخطاء، ومواجهة المحتال، والتغلب علي الصعاب، والإيمان بالخير والثقة في الآخر دون استبعاد احتمال وجود الشر.. والأهم من كل ما سبق أن نربيهم علي عدم قبول الإهانة أو الهزيمة أو (أن يحيوا ليأخذوا غيرها وغيرها).. لأن هذه هي الخلفية وراء ما يسمي ب (الروح الانهزامية).. والانهزاميون هم من تعودوا علي أن يعيشوا وياخدوا غيرها وغيرها من الهزائم. فلنعش إذا لنتعلم، ونؤمن بأنفسنا، ولا نلدغ مرتين، بل نحول هزائمنا إلي انتصارات.