لا شك أن هناك اهتماماً لدي الرأي العام بواقعة موت المواطن «خالد صبحي سعيد» بالإسكندرية.. وقد فكرت ملياً قبل أن أقترب من المسألة.. علي اعتبار أن الأمر قيد التحقيق.. ولا ينبغي التطرق له بالرأي بل إبقاؤه في نطاق الخبر.. فالرأي لا يقوم إلا علي أساس الحقائق التي لم تجلها التحقيقات بعد. لقد تفجر الاهتمام بهذه الواقعة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك والتويتر علي وجه الخصوص».. إذ عمرت بكثير من المدونات والأفلام والملاحظات التي جعلت الأمر يفرض نفسه علي الجميع.. وأصبحت هي المصدر الأكثر تداولاً للقصة.. وقد أعطي قرار النائب العام الصادر يوم الأحد بإحالة تحقيقات القضية إلي نيابة «الاستئناف» زخماً إضافيا بقدر ما أكد أن سلطة القانون تسعي إلي إجلاء الحقيقة في الواقعة وكشف ملابساتها. التناول الذي قاربت به وزارة الداخلية الموضوع من خلال البيان الإعلامي المنسوب لمصدر أمني يوم السبت الماضي أصبح محل نقاش إعلامي مناقض.. علي الرغم من أن البيان يقول إن ما يتردد حول الأمر «ينطوي علي مغالطات صارخة» وتقول رواية البيان: إن المتوفي خالد محمد سعيد صبحي كان بصحبة أحد أصدقائه ولدي توجه أميني شرطة لضبطه بادر بابتلاع لفافة تبين فيما بعد أنها تحوي مادة مخدرة.. ما أسفر عن اختناقه.. وهو ما أكده الشهود الخمسة.. ومنهم صديقه محمد رضوان والمسعف.. وما أكده التقرير المبدئي للطب الشرعي «توفي نتيجة اسفكسيا الخنق نتيجة انسداد القصبة الهوائية باللفافة التي قام بابتلاعها». وتقول الرواية المنتشرة في وسائل الإعلام الإلكتروني وتنقل عنها محطات تليفزيونية إن المتوفي «الذي تصفه بأنه شهيد».. هو صاحب مكتب تصدير واستيراد.. كان في مقهي إنترنت.. ودخل عليه مخبران.. وتحريا عنه.. فلما طلب المعاملة اللائقة كان أن ضرباه وسحلاه.. واصطحباه إلي قسم سيدي جابر.. حيث تعرض لتعذيب أفضي إلي موته ..وفي أحيان أخري تقول نفس الرواية إنه كان لدي خالد تصوير فيلم فيديو لضباط يقومون بتقطيع المخدرات. لقد قال البيان: إن المتوفي كان مطلوباً لتنفيذ حكمين صدرا ضده بالفعل «جنح سرقات - وحيازة سلاح أبيض»، وأنه سبق ضبطه في أربع قضايا «سرقات وحيازة سلاح وتعرض لأنثي».. وذكر البيان أنه «مطلوب في القضية 2008/333» تهرب من الخدمة العسكرية. ولا شك أن التاريخ الإجرامي السابق لأي متهم لا يعطي مبررا لأي أحد لأن يعامل بطريقة غير قانونية.. فما بالك بأن تؤدي هذه الطريقة - لو صحت - إلي موته.. ولو كان العقاب «فرضاً» هو إعدامه لكان الواجب أن يصدر من القضاء حكم بذلك. ولكن الجدل الجدي أو المفتعل- في آن واحد - حول هذه الواقعة يستوجب أن نسجل مجموعة من الملاحظات هي بمثابة أضواء وتساؤلات: • ليس علي وزارة الداخلية أن تصمت في مثل تلك الأمور.. ومن واجبها أن تصدر بياناً للتعليق والتوضيح.. وقد فعلت.. والتزمت ما يجب أن نسجله في ذلك البيان بأن قالت: «نؤكد التزام الشرطة بالقانون ومبادئ حقوق الإنسان وأنه لا مجال لإخفاء الحقائق».. وقال البيان: «إن الأمر أصبح في إطار متابعة وتوجيه مباشر من النائب العام بناء علي بلاغات تلقاها».. ما يعني أن الوزارة نفسها في انتظار نتائج التحقيق. • لا يمكن إغفال حقيقة أن النائب العام قد أحال التحقيق إلي نيابة أخري غير تلك التي حققت فيه بداية.. «نيابة الاستئناف».. طالباً تقرير الطب الشرعي التفصيلي.. رغم التصريح بدفن الجثة.. والإفراج عن أميني الشرطة..مما يعني أن هناك تحقيقًا أوسع نطاقاً من التحقيق الأول. • لا شك أن وزير الداخلية كلف جهات رقابية في الوزارة بإجراء تحقيقات جدية وموسعة حول الأمر.. والجميع يعرف أنه لا يتهاون مع مثل تلك الأمور..وقد أحال وقائع مختلفة إلي المحاكمات. • لا أعتقد يقينًا أنه إذا ثبت إدانة أي من المتهمين في الأمر من أمناء الشرطة أنه سوف تتم حمايتهم من العقاب.. ومن قبل هناك سوابق معروفة.. أحيلت لمحاكمات.. وصدرت فيها عقوبات طبقت.. وقال بيان الداخلية أنه «لا مجال لإخفاء حقائق».. وليس من المنتظر أبدا أن يضحي جهاز شرطة له دوره ويقوم بواجبه بسمعته مقابل الدفاع عن مخطئين.. إذا ثبت الخطأ. • ظهرت في وسائل إعلام معلومات مناقضة لما ورد في بيان الداخلية بشأن أن المتوفي مطلوب في القضية 2008/333 لتهربه من التجنيد.. ويجوز جدا أن تكون كلمة «كان مطلوبًا» هي الأدق والأوقع لكي يتضمنها البيان.. لكن الحقيقة هي أن المتوفي لم يؤد «كل» الخدمة العسكرية وتهرب منها وليس كما قيل تليفزيونيا أنه أداها.. والوقائع هنا هي كما يلي: تم تجنيده في يناير 2002- تاريخ تسريحه الرسمي في أبريل 2005 - حوكم في القضية 2003/881 بمحكمة النزهة بالقضاء العسكري لحيازته مادة مخدرة بقصد التعاطي في المعسكر - حكم عليه بثلاثة أشهر في2004/1/21 تصدق الحكم في 8 مارس 2004 - حوكم في الدعوي 333/عليا مركزية/2008 الاسكندرية -بسبب الهروب من الخدمة العسكرية- بلغت مدة الغياب أربع سنوات وشهرا- حكم عليه بالحبس سنة مع الشغل - تم رفته انضباطيا بعد العرض علي لجنة مختصة في نفس الشهر - حصل علي شهادة خدمة عسكرية رديئة «لا تعني انه أدي الخدمة ولكن تخليه عن اداء الواجب» برقم: 2008/2133/44498 - استلم الشهادة في 28 أكتوبر 2008 . • أهم أمر يثير التساؤلات في الواقعة هو مقارنة الرأي العام بين صورته الأصلية الموزعة علي الجمهور وصورة جثمانه.. ولابد أن التحقيق الذي تقوم به النيابة عليه أن يجيب عن سؤال جوهري: لماذا بدت عيناه مفتوحتين .. ولماذا بدا فك المتوفي مشوها بهذه الطريقة.. وهل هذا يعود إلي التشريح.. أم إلي جريمة ارتكبها أمينا الشرطة.. وإذا كان التشريح هو السبب لماذا جري بتلك الطريقة إن كان الهدف هو استخراج عبوة مواد مخدرة من الحنجرة؟ إن الشرطة جهاز وطني عامر بالجهود المخلصة من أجل حماية هذا البلد.. ولا يجب تشويه تلك الجهود إذا كان «فرضاَ» قد خرج عن قاعدته أي من العاملين فيه.. فالقانون هو الفيصل.. والتحقيق هو صاحب القول الفصل.. ولا يجب اصدار الأحكام قبل انتهاء التحقيقات. ورحم الله خالد.. وأعاد إليه حقه.. سواء ممن قد يكونون قد ارتكبوا جريمة في حقه حتي لو كان لديه سجل إجرامي.. أو ممن قد يكونون وظفوا جثمانه لتحقيق أهداف سياسية الله أعلم بها. [email protected] www.abkamal.net