هدي توفيق قاصة تنتمي إلي جيل الألفية الجديدة، تستدعي في قصصها الذات والمجتمع والتاريخ والذاكرة، منشغلة بالتجريب في كتابتها، دون التفريط في الخيال، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية هي: "أنا تصير رجلا" و"عن عاقر وأحول" و"كهف البطء"، حصلت علي جائزة "أدب الحرب" عام 1998، وجائزة "أخبار الأدب" في القصة القصيرة عام 1999، عن كتابتها عامة ومجموعتها القصصية "مذاق الدهشة" التي صدرت مؤخرا، «روزاليوسف» التقتها وكان هذا الحوار. "مذاق الدهشة" هو عنوان مجموعتك القصصية الجديدة هل للدهشة مذاق؟ - بالمعني المعرفي بالطبع لا توجد للدهشة مذاق، ولكنه مجاز مستوحي من مضمون القصة للتذكر، وهذا يحدث لنا جميعا عندما يتقدم بنا العمر وتحوي ذاكرتنا الكثير من الأحداث والأشخاص، الذين شاركونا تلك المواضيع السابقة، نشعر بالدهشة ونحس بشكل ما أن لها مذاقا مرا أو حلوا مثل مذاق الأكلات التي نأكلها او المشروبات التي نشربها، فنحس بالمرارة أو الألم أو الفرحة، وربما ذلك يحدث في لحظة فارقة من الحزن والضيق، فنسعي جاهدين إلي الذكراة لنتذكر شخصا أو حدثا ما أدهشك وأسعدك وأعطاك قدرا كبيرا من البهجة في زمنه الماضي، وينعكس تذكره الآن في لحظتك الراهنة، فتصبح كمذاق طعام لذيذ أو مشروب تحب مذاقه دائما. تدور أحداث المجموعة في أجواء الطفولة ماذا تمثل الطفولة بالنسبة لك ولقصصك؟ - أولا الطفولة لا تعني لي فقط المضمون العمري، وإنما هي طفولة داخلية أعيش بها مهما حاولت الهروب لأعيش في عالم اليقظة والوعي بكل ما حولي، فهي النقطة الاساسية التي تعبث داخلي وأبحث عنها حتي أتصالح مع نفسي، ولو جزئيا وسط كل هذا الكم الكبير من اللامبالاة والعادية والمألوف، الذي يملأ أحداث حياتي الروتينية كل يوم بين العمل والزملاء، والناس وكل الحياتي المهلك، وطالما أحتفظ بتلك الأيقونة داخل عقلي وروحي أجدني أخطها علي أوراقي بكل قوة وجرأة بلا أي قيود أو ضغوط وكأنها ملاذي من خوفي وترددي وحيرتي تجاه كل الأشياء وكل الآخرين. بعد أربع مجموعات لماذا الالتزام بكتابة القصة في زمن الرواية؟ - في الحقيقة المسألة ليست التزاما فأنا فعلا بدأت بكتابة القصة، ثم انشغلت بالمسرح تمثيلا وإعدادا وكتابة لفترة لا تقل عن ست سنوات، ثم عدت لكتابة القصة، وأحسست أنه أقرب لطموحي الإبداعي، وشرعت في كتابة الرواية، ولكني تخليت عن فكرة نشرها تماما، لأني شعرت أنني متمكنة من القصة أكثر، ولدي الآن مجموعة مكتملة تنتظر النشر، لكني شعرت بضرورة فنية وإبداعية لكتابة الرواية، خاصة بعد أن تشكل لي مشروعا كامل التخطيط بأحداثه وشخصياته وزمانه ومكانه، فكتابة الرواية ليست سهلة، وتتطلب مجهودا كبيرا، أنا بالطبع أريد بشدة كتابة الرواية، والمشكلة ليست في متي ستكتب، وإنما في كيف ستكتب، إنها تحتاج ثقة ورضا فنيا عاليا، وهذا ما أراه جوهر المشكلة بالنسبة لي. ما الخيط الرفيع الذي يربط بين قصصك؟ - أري أنه ليس مجرد خط رفيع، إنه عديد من الخيوط تبدأ بإحساس الشديد بالوحدة والفقد حالات ماضية لكنها مازالت جاثمة علي صدري وتجعلني أبحث عن مخلص وإن كانت تلك الوحدة اختيارا أريده ولا أسعي دائما لتغييره في حياتي، ثم حاسة التأمل والتفكير طويلا في أحوال البشر، التي تعلو في بعض نماذجها للغرابة والاستنكار، ثم الاستسلام والصمت دون أي تعليق، وأجد نفسي متضايقة من ذلك، وإن كان مكتوب الداخلي حب وشفقة وياس وفضفضة لاحول لها ولا قوة. الحلم له حضور قوي في المجموعة.. هل الحلم يلغي التخطيط المسبق الكتابة؟ - أولا أنا ضد فكرة عدم التخطيط أو الوعي الكامل بالحالة الإبداعية، الكتابة في ظني عمل منظم جدا وتحتاج إلي شروط وأدوات ووعي دائم، أنت لا تكتب العمل من المرة الأولي ونذهب بها للناشر، بل تكتبه مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتي تكاد أن تركله بقدمك كما يشوط اللاعب الكرة في الجول، أما فكرة الحلم لابد أنها وقود إبداعي فأنا لا أعيش إلا علي الحلم لا أشياء لا أستطيع تحقيقها في الواقع الحلم معي حتي في يقظي لا أحيا إلا به ولا أستطيع الكتابة إلا عبره. تسيطر أجواء سوداوية علي نصوص المجموعة ما مصدرها؟ - المصدر هو كل ما يحيط بنا من أجواء انهزامية وانكسارات، أصبحت موجودة بشدة داخل نسيج الواقع المصري من الغلاء الفاحش، والبطالة، والفقر المدقع، وتراجع كل القيم والمبادئ أمام الصالح.. إلي آخره، فإنني أكتبه بطريقتي القصصية التي أراها مناسبة وقريبة لنفسي، فالمصدر الحقيقي هو هم إنساني بالغ أشعر به، فأنا مثل كل البسطاء أكافح وأعاني من أجل العيش، لا يوجد أي اختلاف بيننا إلا فارق بسيط، وهو محاولة الهروب من كل هذا العناء إلي متعتي الخاصة وهو كتابة الإبداع. بمن تأثرت في كتابك؟ - في الحقيقة علي الكاتب ألا يتأثر بأحد، بالطبع لابد أن تتعدد قراءاته ويكون شغوفا بمتابعة كل جديد بقدر الإمكان حتي يتواصل مع المشهد الإبداعي العلم مع قراءة الرواد كواجب أساس لخلق إبداع متميز له. لكن في أحيان كثيرة أشتاق لقراءتي الطفولية لمغامرات "تختخ ولوزة نوسة والكلب زنجر" ومغامرات "الكابتن ماجد"، وإن كنت لا أذهب لشرائها أبدا لكنه مجرد إحساس طفولي يراودني، ثم يذهب بعيد كطيف حلم عبثي، وأعود لقراءتي الجادة مباشرة وبحماس، فكما قلت لك سابقا أنا لا أستطيع أن أعيش بدون الحلم.