الأسبوع الماضي احتفلت الكنيسة القبطية في مصر والعالم بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر، وبهذه المناسبة قدمت «سالي وليم سعيد» المدرس المساعد بقسم اللغات السامية بكلية الألسن جامعة عين شمس دراسة حول رحلة العائلة إلي جبل الصخرة والتي احتوت علي الأصل القبطي والترجمتين العربية والحبشية لمخطوط «جبل الطير». اختلفت الدراسة عن الكثيرين الذين تحدثوا عن رحلة العائلة المقدسة حيث إنها أوردت في تمهيدها تعريفا للغة الحبشية مشيرة إلي أنها لغة المهاجرين الساميين من جنوب الجزيرة العربية (اليمن وحضر موت) إلي الساحل الأفريقي المواجه مؤكدة أنهم هم الذين عبروا البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب، حيث فرضت تلك الهجرات السامية حضاراتها ولغتها علي المنطقة الموجودة في شمال الحبشة، حيث أسسوا مستعمرات تجارية وشيدوا حصوناً. مدينة أكسوم وتضيف الباحثة أنه في حوالي القرن الأول بعد الميلاد تأسست في الشمال مملكة تحت سلطة الساميين الجنوبيين وعاصمتها «أكسوم» وهي مدينة مقدسة في الحبشة «أثيوبيا» إلي الآن مؤكدة أنه قد وصلت إلينا بعض آثار هؤلاء المهاجرين منقوشة علي الأحجار والمسلات والنقود والتي يرجع معظمها إلي القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد. وتوضح الباحثة في التمهيد أيضاً تعريف اللغة الأمهرية والأدب الحبشي والذي وصل إلينا في مخطوطات مكتوبة علي الرق في صورة أدب مسيحي وهو أدب منقول مؤكدة أن أي باحث يحتاج إلي فهمه للإلمام بتاريخ الحبشة السياسي الذي سار مع الأدب جنبا إلي جنب، كذلك يحتاج أيضاً لمعرفة تاريخ الكنيسة القبطية والأدب القبطي الذي نقل عن تراث الأدب الحبشي. وتضيف الباحثة: إن المسيحية دخلت الحبشة علي يد (فرومنتيوس) في القرن الرابع الميلادي الذي رسم بطريرك الإسكندرية مطرانا علي الحبشة، ومن هنا تحدثت الباحثة عن كيفية تلاقي اللغة الحبشية واللغة القبطية وذلك عن طريق تسعة رهبان ذهبوا إلي الحبشة لتعليم الأحباش العقيدة الأرثوذكسية حيث قاموا بنقل الاسفار المقدسة وكتب الطقوس وغيرها إلي اللغة الحبشية لفهم الدين والقيام بالعبادات. الأدب الحبشي والقبطي وقامت الباحثة بتلخيص علاقة الأدب الحبشي بالأدب القبطي والتي استمرت حتي القرن السادس عشر إلي أن بدأ النزاع الديني بين الأحباش والمسلمين من ناحية والأحباش بمذهبهم الأرثوذكسية والبرتغاليين بمذهبهم الكاثوليكي من ناحية أخري، مشيرة إلي أنه منذ ذلك الحين بدأ الأدب الحبشي في الركود فضلاً عن أن اللغة الأمهرية أصبحت لغة تخاطب واقتصرت اللغة الجعزية علي الكنيسة فاحتاج الأحباش أن يفهموا الجغرية بالأمهرية فقاموا بكتابة المعاجم وأطلقوا عليها «السلالم» كما كان الأقباط في مصر يطلقون هذه التسمية علي معاجمهم القبطية العربية، مضيفة أن الأدب القبطي لم يأخذ من الحبشية إلا سيرة القديس «تكلاهيمانوت» وهو قديس حبشي اعترفت به الكنيسة القبطية وله كنيسة باسمه في الزقازيق وأخري بالكنيسة المعلقة بمصر القديمة. وأضافت الباحثة أنه منذ القرن الثالث عشر كان رواد حركة الترجمة من الرهبان الأحباش الذين يقيمون في مصر يتعلمون القبطية والعربية والعكس فالرهبان الأقباط الذين يقيمون بالحبشة يتعلمون الحبشية. مصر والحبشة واحتوت الدراسة بعد هذا التمهيد علي العلاقة بين مصر والحبشة علي ثلاثة فصول الأول جاء عن «مخطوط رحلة العائلة المقدسة إلي جبل الصخرة»،حيث تحدثت فيه الباحثة عن كاتب المخطوط وهو البطريرك «تيموثاوس إيلوروس» وهو البطريرك السادس والعشرون من بطاركة الكرسي السكندري والذي رسمه البطريرك كيرلس الأول قسيسًا وضعه تحت إشراف «ديوسقورس» البطريرك ال24 الذي صحبه إلي مجمع أفسس الثاني عام 449م واصفة حياته إنها كانت مليئة بالصراعات حيث إنه استمر مجاهدًا ضد أنصار مجمع خليكدون الذين هددوا سلامة الكنيسة في ذلك الوقت، حيث إنه نفي إلي «غانغرا وهي جزيرة بغلاغونيا بآسيا الصغري» والذي قضي فيها 4 أعوام، ثم قضي 11 عاما في كيرسون بكريميا، حيث كان له نشاط أدبي زاخر، فقد كتب 512 تفسيرا في كتابين أثناء وجوده بالمنفي. وبالرغم من أن الباحثة تحدثت عن كاتب المخطوط مشيرة إلي كتابته إلا أنها لم تذكر شيئاً عن مخطوط رحلة العائلة المقدسة إلي جبل الصخرة أو متي كتبه وكيف؟! المصريون والرومان وبعد أن ذكرت الباحثة كاتب المخطوط، تحدثت عن تاريخ مصر في حقبة كتابة القبطي الأصلي والتي كانت تقع مصر في ذلك الوقت تحت حكم الرومان، وأشارت الباحثة إلي الحياة الاجتماعية في ذلك الوقت مشيرة إلي أن المجتمع كان مقسما إلي طبقات الأولي المواطنون الرومان وهي الطبقة الراقية والتي تمتعت بقدر كبير من الامتيازات، الثانية كانت الإغريق، الثالثة اليهود وأخيرًا جاء المصريون والذين كانوا يتألفون من عدة فئات رجال الدين، أصحاب الأرض والعامة. وأوضحت الباحثة أن هذه الفترة كانت مليئة بالصراعات بين المصريين والرومان والتي بدأت بالنزاع بين المسيحية والوثنية إلا أنها أخذت في التزايد وتحولت إلي صراع بين الشعبين انتهي بدخول العرب إلي مصر بقيادة عمرو بن العاص وصرح بفتح الكنائس وإقامة العبادة فيها. رحلة العائلة المقدسة وتحدث الجزء الثاني من الفصل الأول عن رحلة العائلة المقدسة في أرض مصر إذ أشارت الباحثة فيه إلي أن التقليد القبطي يحتفظ بأربعة «ميامر» كلمة سريانية تعني سيرة أو قصة عن قصة الرحيل إلي مصر الأول ينسب إلي البابا ثاؤفيلوس البطريرك ال23 الذي روي فيها رؤيا رآها ظهرت فيها السيدة العذراء له وقصت عليه تفاصيل الرحلة وطلبت منه أن يسجل ما رأي وما قالته له وهذا المخطوط محفوظ بالمكتبة الأهلية بباريس وهناك نسخة أخري بالدير المحرق والثاني مخطوط الأنبا زخريا أسقف مدينة سخا في الدلتا والذي يذكر المحطات التي مرت بها العائلة المقدسة والثالث مخطوط الأنبا قرياقوس أسقف البهنسا أما الرابع فهو مخطوط «موعظة كنيسة الصخرة» والذي ينسب إلي البطريرك تيموثاوس ال26 وقد كتب باللغة القبطية تم ترجم إلي العربية والحبشية. وتؤكد الباحثة أن الرحلة بدأت وعمر السيد المسيح لا يزيد علي ثلاثة شهور وذلك عندما هرب يوسف النجار والسيدة العذراء ومعهما سالومي التي يقال إنها أخت السيدة العذراء من اضطهاد هيرودس ملك اليهود الذي خاف علي عرشه من النبوءات التي وردت بالعهد القديم. الخروج من فلسطين وأضافت إن الرحلة بدأت بالخروج من فلسطين حيث دخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية جهة فرما ما ثم توجهت إلي مدينة بسطا ثم إلي مسطرد ومنها إلي بلبيس ثم إلي سمنود ومنها إلي منطقة البرلس حتي وصلت إلي مدينة «سخا» واستقروا في شرق الطريق والذي أصبح هذا المكان موقعًا لديربني في القرن الثالث الميلادي، ومن ذلك المكان عبرت العائلة المقدسة نهر النيل «فرع رشيد» إلي غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلي وادي النطرون ثم ارتحلت جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت النيل إلي الناحية الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس وبعد ذلك اتجهت إلي مصر القديمة ومنها إلي المعادي ثم اتجهت جنوبًا لدير الجرنوس ثم ارتحلت إلي البهنسا حتي بلدة سمالوط التي منها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير جبل الطير ثم عبرت إلي الجانب الغربي واتجهت إلي الاشمونيين واتجهت جنوبًا ناحية بلدة فيليس ثم إلي قرية قسقام «القوصية» ومنها إلي آخر محطة وهي جبل درنكة والذي منه بدأت رحلة العودة إلي فلسطين. في المبحث الثالث تحدثت عن النسخ المتعددة للنصوص القبطية والعربية والحبشية حيث عرضت النسخ الثلاث في إيجاز لتنهي بها الفصل الأول. أما الفصل الثاني فقد كان خاصا بالترجمة التي بدأت بمدخل عام لعلم الترجمة ثم دراسة تقابلية في النصوص الثلاثة، كذلك تحدثت عن المضامين العامة للنصين العربي والحبشي وكان الفصل الثالث عن الدراسة اللغوية والتي بدأتها بالجملة الاسمية في العربية والحبشية والقبطية والرابطة في الجملة الأسمية وكذلك التقديم والتأخير في اللغات الثلاث.