رواية (سجود المرأة لزوجها) لها طرق كثيرة ومتعددة، بعضها صحيح السند وبعضها ضعيف السند كما جاء في كتب الحديث، وهذه هي المصيبة التي أصابت الأمة علي يد فقهاء الحديث منذ قرون طويلة ونعاني منها إلي الآن، ذلك لاهتمامهم وحسب بسند الحديث دون النظر نص الحديث ومضمونه وهل يتوافق أو يتنافر مع القرآن الكريم أم لا؟ فتركوا لنا ميراثا ضخما من الأحاديث والمرويات التي تشبعت بها نفوس الجماهير وانتجت لنا دينا مسخا مشوها متناقضا متضاربا نجد فيه الحق يخرج من رحم الباطل، والمعقول من رحم اللامعقول، حتي أغرقوا الناس وأولحدوهم في لجة من الآراء والاختلافات والتناقضات التي لا يعلم مداها ولا منتهاها إلا الله وحده، وأثقلوا كاهل المصلحين بعمل يفوق طاقاتهم في نبش هذا الكم الهائل من ركام الآراء والاختلافات والروايات في محاولات مضنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أفكار ومعتقدات وقناعات وثقافات أشبه بالداء المزمن الذي استحكم في نفوس الناس. ومن يتتبع رواية سجود المرأة لزوجها هذه، يري فيها كثيرًا من التضارب والتناقض والاختلاف في سرد حادثة وقوعها ورواياتها، إلا أن جميعها أجمعت علي عبارة واحدة لا اختلاف كبيرًا فيها، وهي: (لو أمرت أحدًا بأن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم حقه عليها)، ولنعرض الآن تخريج فقهاء الحديث لهذه الروايات وفي المقالات المقبلة سنقوم بمناقشة نصوص ومضمون الواقعة. ولكن قبل هذا أود أن أشير إلي أمر لهم وغريب، وهو: أن هذا الحديث لم يروه كل من البخاري ومسلم رغم أن سنده ورد علي شرطهما لكنهما لم يخرجاه في كتابيهما، لماذا؟ لا أحد يدري، وهذه كانت عادة البخاري ومسلم مع أعداد كبيرة وضخمة من الأحاديث التي تركها ولم يخرجها في كتابيهما رغم موافقتها شروط تصحيحهما للأحاديث، فربما كانت هناك موانع سياسية أو عقائدية أو مذهبية أو مزاجية ما لتركهم آلاف الروايات التي وافقت شروط تصحيحهما الأحاديث إلا أنهما لم يخرجها في كتابيهما، ما جعل الحاكم النيسابوري يقوم بتصنيف كتابه الذي أسماه (المستدرك علي الصحيحين)، وجمع فيه ما يقرب من (9588) حديثًا بالمكررة تركها البخاري ومسلم ولم يخرجاها، وكان من بينها حديث: (سجود المرأة لزوجها) فقد أورده الحاكم في مستدركه بثلاث روايات قال عنها جميعا: (هذا حديث صحيح الإسناد علي شرط الشيخين ولم يخرجاه). وقد أورد الهيثمي في مصنفه: (مجمع الزوائد) عددا كبيرا من روايات وطرق هذا الحديث، منها (حديث أبي هريرة) الذي رواه البزار وفيه سليمان بن داود اليماني وهو ضعيف. وكذلك حديث (صهيب عن معاذ بن جبل) الذي رواه البزار والطبراني وفيه النهاس بن فهم وهو ضعيف، وحديث (زيد بن أرقم) الذي رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح خلا صدقة بن عبد الله السمين وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه البخاري وجماعة. وحديث (ابن عباس) الذي رواه البزار وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ وهو ضعيف.، وحديث (سراقة بن مالك) الذي رواه الطبراني من طريق وهب بن علي عن أبيه وقال الهيثمي: لم أعرفهما، وبقية رجال ثقات، وحديث (عائشة) الذي روي ابن ماجة بعضه بغير سياقه ورواه أحمد وفيه علي بن زيد وحديثه حسن وقد ضعف. وحديث: (عصمة) الذي رواه الطبراني وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف. وحديث: (غيلان بن سلمة) الذي رواه الطبراني وفيه شبيب بن شيبة والأكثرون علي تضعيفه. (للحديث بقية)