أولهم الوالد الكريم عليه رحمة الله حيث كان أول من علمني الحروف ونطقها وكتابتها وتشكيلها والهجاء وتركيب الكلمات البسيطة منها وذلك في عمر مبكر جدا وفي سن لا تذكر مستخدما الطباشير علي لوح صغير من الإردواز الأسود ثم القلم الرصاص علي صفحات الكراريس وكذلك تحسين الخط ما بين النسخ والرقعة بشكل مبسط وفي صبر بالغ وتبادل لقواعد اللعبة باعتبار أن تعليم الصغار من الألعاب ثم تطوير التعليم فوريا بمراجعة عناوين الصحف حتي يمكن التعرف علي شكل الأحرف والكلمات ومحاولة تقليدها لو أمكن، ومع هذا محاولة حفظ قصار السور من القرآن الكريم مع المراجعة المستمرة للقارئ والسامع حتي ترديد الآيات البسيطة وإعرابها كي يتم الربط بين النطق وبين قواعد اللغة، ثم بدأت الدراسة الرسمية مبكرا في سن الرابعة تقريبا فكانت الأمور سهلة تماما في الفهم والاستيعاب نتيجة لقوة المخزون من اللغة العربية التي يتم بها شرح الدروس في كل المواد ما أدي إلي التميز بين زملاء الدراسة ، ولكون الوالد من علماء الأزهر الشريف وحائزا علي شهادة العالمية ومن بعدها إجازة التخصص في علوم الشريعة كانت اللغة العربية التي يملك ناصيتها من القوة بمكان ونقل حبها إلي عقلي مبكرا فهي الأساس الذي يمكن البناء عليه صرح التعليم بأكمله وقد لازمني ذلك حتي نهاية المرحلة الثانوية التي وصلت إليها في سن مبكرة أدت إلي التخرج من الجامعة في تمام العشرين. في المرحلة الابتدائية كان أستاذ اللغة العربية عبدالقوي يجيد فن الإلقاء والخطابة ونطق الشعر وتمثيل الموضوع دائم الحضور الهادئ والنبرة الأبوية والبدلة والكرافتة والحرص علي طابور الصباح ومراجعة الواجب المنزلي لكل تلميذ، لم أشعر بأي جهد يذكر في تلك المرحلة لما امتلكته من حصيلة لغوية قوية وأحيانا أستعين فيها بصديق ليس كمثله صديق يوفي كل الإجابات بل يزيد علي ذلك شرحا مستفيضا وهو الوالد. عبد الرحيم راشد كان أستاذا للغة العربية في المرحلة الثانوية يفضل ارتداء الجاكت التويد الأسود والبنطلون الرمادي مع الكرافت والحذاء الأسود اللامع وكان بجيد فن الحوار والمناظرة بين فريقين من التلاميذ كل منهم يتبني وجهة نظر يعرضها ويدافع عنها ويفندها حتي لو كانت خارج المقرر، هدوء النبرات ووضوح الكلمات بل الأسلوب الرصين الجاد كل ذلك كان سببا في التعلق باللغة العربية وبمن يتولي أمرها في الفصل، ذات مرة قام الرجل بشرح كلمة الدستور ومعناها وأهميتها للوطن بكل سلاسة ثم ربط ذلك بالنظام في الفصل والالتزام بين أطرافه والعائد من كل ذلك علي المستوي الشخصي والمدرسي والأسرة والمجتمع، وأن التلميذ ما هو إلا موظف لدي المجتمع للتحصيل والتفوق مقابل أجر هو مصروف الجيب والرعاية الأسرية المتكاملة. يوسف المعناوي كان أيضا استاذا للغة العربية وشاعرا وتعلمت منه كيف تكون الشعر وتراكيبه وتفاعيله وكيف تسمعه طازجا من فم قائله كي تفهم المعني واللفظ والوزن والقافية فور تكوينها خاصة حين تكون القصيدة في حب الوطن وفي انجازات ابنائه، ثم تراها علي صفحات الصحف فيما بعد خاصة جريدة الجمهورية وغيرها وقت أن كانت هناك مساحة للأدب والشعر والقصة بدلا عن تهريج هذه الأيام في الكتابة عن الكرة والفن الهابط! الأستاذ بدر كان استاذا للغة العربية يجيد الادب والنقد والتذوق والتعليق علي النص سواء كان مقطعا من قصيدة أو نصا أدبيا راقيا ويجيد الشرح والتعليق ويملأ وقت الحصة تماما ولا مجال للمزاح أو تعطيل مسار الدرس أو ممارسة الشقاوة في الفصل أو حتي بعد الفصول، تعلمت منه كيفية الكتابة اعتبارا من حسن اختيار عنوان الموضوع ثم التسلسل في عرض ما يجب أن يقال وتوزيع الكلمات علي كل عنصر من عناصره والمراجعة لكل جوانب اللغة.