كان العبد لله مواطنا كرويا مثل ملايين من المصريين، وفي زمن ولي، كنت أتردد علي الملاعب لمشاهدة المباريات وأهتف وأرفع اللافتات، وأصرخ لضياع هدف، وأحزن إذا ما سجل هدف في مرمي الفريق الذي أشجعه، كان العقل أقل ازدحامًا، والقلب أكثر احتمالا، دار الزمن وتبدلت أوضاع وتغيرت أحوال ولم تعد كرة القدم من بين الأولويات، كأنني أسير عكس التيار، وجدت الكرة مصدر سعادة لغالبية الشعب المصري، ووصل الحال إلي أن لاعبي الكرة صاروا الأكثر حضورًا علي كل الساحات، يلعبون ثم يفتون في السياسة والاقتصاد وربما الدين، وتحولوا إلي نماذج يتم تقليدهم والسير علي نهجهم، وأصبحنا «أسياد أفريقيا» في كرة القدم، ولم نعد ذلك في أي مجال آخر، وضربنا أخماسًا في أسداس حين وقعت دول حوض النيل اتفاقًا قد يؤثر علي حصصنا من المياه، وباتت الفضائح الكروية الأكثر جاذبية لدي الشعب!! عمومًا لا مجال هنا للحديث عن مشاكل الناس أو قضايا المجتمع أو أزمات مصر أو متاعب الحياة ومنغصاتها وإنما الكلام له علاقة بالمونديال الذي سيلتف الناس حوله وينسون أنفسهم، وقبل بداية التنافس بدأ الناس يتراسلون ويتخاطبون ويجهزون أنفسهم للحدث الدولي الذي سيكون مناسبة للهروب الكبير من أي شيء مفيد. فجأة وجدت بريدي الإلكتروني مليئًا بعشرات الرسائل ذات الصلة، بشكل أو بآخر، بالمونديال وبينها هذه الرسالة التي يفترض أن علي كل زوج أن يوجهها إلي زوجته، واللافت أن غالبية الرسائل روج لها ووزعتها نساء وهذه واحدة تلقيتها من الصديقة رحاب يسري ويخاطب فيها الزوج زوجته قائلا: أود أن أوجه التحية وأن أعطيك 12 نصيحة قبل بداية كأس العالم: 1- في الفترة ما بين 11 يونيو الجاري وحتي 11 يوليو يجب عليك أن تقرئي الصحافة الرياضية ومتابعة أخبار المونديال وبهذا يمكنك أن تشاركيني الحديث حول ما يحدث وإن لم تفعلي هذا فلن يكون أمامي خيار سوي أن أتجاهلك بشكل تام وهو الأمر الذي لن تحبيه. 2- خلال كأس العالم التلفاز يعتبر ملكًا لي في كل أوقات اليوم دون إبداء الأسباب، وإذا رأيتك تنظرين إلي جهاز التحكم قد تفقدين عينيك. 3- إذا أردت أن تمري أمام التلفاز خلال المباراة أو قبلها أو بعدها فإنني لا أمانع أبدًا طالما يتم ذلك زحفًا علي الأرض مثل رجال الكوماندوز في الحرب العالمية الأولي أو الثانية لا فرق. 4- خلال المباريات يجب أن تعلمي أنني لا أري ولا أسمع ولا أتكلم، إلا إذا احتجت منك طعامًا أو شرابًا، ولن أوافق علي سماع جمل مثل: رد علي الهاتف، أحضر لنا طعامًا من السوبر ماركت أو افتح الباب. 5- إذا قمت بكل ما سبق فإنني سوف أسمح لك بمشاهدة التلفاز من الساعة 12 مساء حتي السادسة صباحًا. 6- أرجوك ثم أرجوك ثم أرجوك ألا تقولي لي «إنها مجرد لعبة» أو «سيفوزون في المرة المقبلة» عندما أبدوا حزينًا لخسارة الفريق الذي أشجعه في المونديال، لأن هذا لا يساعدني إنما يزيد من غضبي وكلماتك «التشجيعية» لن تجعلني أتحسن إنما قد تؤدي إلي مزيد من الغضب والنكد. 7- لن أمانع أبدًا في أن تشاهدي مباراة واحدة معي وسأسمح لك بالكلام خلال فترة الاستراحة بين الشوطين فقط إذا كانت نتيجة المباراة لصالح فريقي الذي أشجعه. أرجو وضع خط تحت كلمة مباراة واحدة فقط. 8- الإعادة التليفزيونية للأهداف مهمة جدًا لي ولا أهتم إذا شاهدت الهدف 100 مرة فلا تظهرين تذمرًا. 9- قولي لصديقاتك وأصدقائنا بشكل عام ألا يقوموا بإنجاب أطفال أو اقامة أي حفلات أو الاحتفاء بأي مناسبة تتطلب وجودي معهم لثلاثة أسباب بسيطة: الأول هو أنني لن أذهب، والثاني هو أنني لن أذهب، والثالث وهو الأهم هو أنني لن أذهب. 10- تلغي النقطة السابقة في حالة واحدة وهي أن يدعونا أحد أصدقائنا إلي مشاهدة المباراة. 11- خلال الملخص اليومي لكأس العالم يجب عليك ألا تقولي: «لقد شاهدت المباراة فلماذا تشاهدها مرة أخري»، لأن ردي سيكون «ارجعي للنقطة رقم 2». 12- في نهاية كأس العالم أرجو منك ألا تقولي «الحمد لله إن كأس العالم تأتي كل 4 سنوات» لأن لدي مناعة ضد مثل هذه الكلمات ولا تنسي أن بعد هذا سيأتي الدوري الإنجليزي والدوري الإسباني والدوري الإيطالي ودوري أبطال أوروبا وكأس أوروبا وكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس إسبانيا.. شكرًا زوجتي. لم أكتب تلك الرسالة وإنما فقط قرأتها، وتخطيت منذ زمن «المرحلة الكروية» وبعد دراسة الأمر أيقنت أن النساء يلجأن دائمًا إلي الأسلوب نفسه والقائم علي تلقين بعضهن البعض عبارات أو جملاً أو رسائل علي أنها صدرت عن الرجل. شخصيا اتنصل من رسالة رحاب ولا أتبني المسئولية عنها، ولدي شجاعة دائمًا لأقول ما أعتقد أو أعبر عن رغباتي في حرية ودون أن ألجأ إلي أحد كي يصوغ عقلي أو يحرك إرادتي.