رغم أن معلوماتى فى الكرة مثل معلوماتى فى النانو تكنولوجى، فإننى أعتقد أن هذه نقطة فرعية هامشية لا تؤثر على وضعى كمشجعة فذة، لا غنى عنها للمنتخب القومى.. وقد تلقيت دعوة كريمة لمشاهدة مباراة مصر وإيطاليا فى أحد الأماكن العامة، فذهبت بعد أن ارتديت الجزمة الكاوتش والزى الرياضى حتى أعيش جو المباراة.. وقبل بداية الماتش سألت المحيطين: «يا جماعة إحنا فريقنا يمين ولاّ شمال؟»، فنظروا جميعاً بدهشة وقال لى أحدهم: «قصدك الجون بتاعنا؟ إحنا شمال».. فتعجبت من اندهاشهم وسألت: «يعنى لما هُمه ييجوا شمال أصرخ ولما إحنا نروح يمين أشجع؟».. فزادت نظرة الدهشة منهم وقالولى: أيوه.. ثم أضاف أحدهم: بس خلى بالك فى الشوط التانى بيبدلوا».. فتعجبت وقلت: «يا سلام! بيبدلوا؟ من إمتى؟ وليه يبدلوا؟».. فقالولى: «من زمان هى اللعبة كده».. فعقدت المفاجأة لسانى وتذكرت الماتشات الخوالى، وكيف أن أحداً لم يصرح لى من قبل بحكاية تغيير أماكن الأجوان هذه! واكتشفت أن غالبا هذا هو سبب انقطاع دعوتى لمشاهدة المباريات المهمة مع الأصدقاء منذ زمن بعيد.. غالباً فى الأشواط الأولى كنت أشجع فريقنا، وفى الأشواط التانية كنت أشجع الفريق المنافس.. ما هو محدش كان قاللى حكاية تبديل الأجوان هذه! لكن الحمد لله أن الله قد أضاء بصيرتى فى النهاية.. المهم، بدأ الماتش وبدأ انبهارى بأداء فريقنا.. فرغم الهزيمة أمام الجزائر والإحباط أمام البرازيل، فإن هذه الصدمات لم تؤثر على جودة الأداء والمعافرة.. من المعتاد أن يسقط المرء فى مشوار الحياة مراراً وتكراراً.. وهذا من مستلزمات رخامة الدنيا! ولكن المهم هو سرعة الوقوف بعد السقوط، فالوقوف سيحدث حتما بشكل أو بآخر، ولكن سرعة الوقوف هى بيت القصيد.. وأعترف بأننى عندما كنت أتذكر مقولة جوتة: «عليك بالواجب القريب»، كنت دائما أفسرها فى حدود العمل المطلوب عمله مهما كان صغير الشأن أو القيمة... ولكنى بالتدريج اكتشفت أن الواجب القريب قد يكون هو أن تعمل المطلوب منك وشوية كمان.. وفى كثير من الأحيان إذا قابلتك التحديات والمصاعب تكون سرعة الوقوف والمعافرة هما «الواجب القريب» المطلوب عمله.. كم واحد منا بعد السقوط يستطيع أن يلملم أشلاءه سريعا ويبدأ صفحة جديدة مع الحياة؟.. من المهم جداً أنك رغم كل شىء «تعلى صوتك بالغنا» ولا تبكى على اللبن المسكوب، وألا تتوقف أبدا عن السعى المحسوب والمعافرة المثمرة.. فمثلا رغم أن مباراة إيطاليا كانت مليئة بسوء الحظ.. واللهم احفظنا العكوسات، حيث ضاع منا الكثير من التسديدات، فإن أعضاء فريقنا لم يتوقفوا عن إعلاء صوتهم بالغنا والإبداع فى الأداء المثمر.. وأعتقد أنهم حتى إذا فشلوا أمام منتخب أمريكا، ففرحة الناس بهم لن تقل فيمتو شعرة.. طبعاً عزيزى القارئ أنت الآن تظننى الفلحوسة التى تتفلحس والفزلوكة التى تتفزلك وتكتب درساً عن الاجتهاد والمثابرة..ولكنى بصراحة يؤسفنى أن أصدمك عزيزى القارئ، وأعترف لك من منبرى هذا، بأننى أبعد ما أكون عن فن المعافرة لتحقيق الأهداف.. وبصراحة أكتر، أنا من أنصار أن أرض الله واسعة، فإذا أصبت بخيبة أمل فى موضوع ما، سرعان ما أدير الإريال فى اتجاه آخر وأغير المحطة، وأسرح فى أرض الله الواسعة، حيث أقلب عيشى.. ولا أخفيكم سرا أننى لو كنت أشارك الفريق القومى فى مباراتهم الخالدة مع إيطاليا، وهجم على هذا اللاعب الإيطالى ذو اللحية والشنب شبيه أبولهب، بصراحة كنت هترعب منه، وغالباً كنت سأوفر عليه عناء انتزاع الكرة من رجلى وكنت على الفور سأسلمها له يداً بيد، وعليها إهداء من ماما وبابا.