لم يكن أكثر الإخوان تفاؤلا يعتقد أن الجماعة بإمكانها الحصول سوي علي ثلاثة أو أربعة مقاعد في معركة الشوري التي جرت جولتها الأولي أمس، في ظل الظروف الداخلية التي سبقت وصاحبت عملية المشاركة، وفي ظل احجام المرشحين الذين قررت الجماعة الدفع بهم في انتخابات لها طبيعتها الخاصة من اتساع للدوائر الانتخابية وعدم اقبال شعبي نظرا للدور الاستشاري للمجلس. • قرار دون دراسة الجماعة قررت خوض انتخابات الشوري بدون دراسة مسبقة للقرار، بمعني أن القيادة الجديدة التي يغلب عليها التيار المتشدد لم تحدد هدفها من المشاركة، وهذا ما اتضح خلال المراحل التالية لاتخاذ القرار، سواء من حيث حجم المشاركة أو اختيار المرشحين، خاصة وان الجماعة مقبلة علي خوض انتخابات أخري برلمانية بعد خمسة شهور، بغض النظر عما يقوله عصام العريان المتحدث باسم الجماعة فهو بحسب أحد أقرب الناس منه «محللاتي أحيانا» بمعني أنه يحاول جعل الامور تبدو مقبولة دون أن تكون كذلك. • الرسالة الخطأ الدليل اننا اذا ما قارنا بين قرار خوض انتخابات الشوري هذه المرة أو حتي في انتخابات 2005 بقرار سابق في عهد مرشدها الأسبق عمر التلمساني، سنجد أن الأخير كان هدفه المشاركة في العملية السياسية وتدريب كوادر الجماعة علي العمل السلمي، ولهذا لم تكن اعداد المرشحين تتجاوز 10 اشخاص، أما أن تخوض الجماعة الانتخابات بهذه الاعداد الكبيرة (28 مرشحا في الشوري نصفهم احتياطيون) فإن الرسالة التي تفهم من ذلك تكون اننا نريد المشاركة في صنع القرار وإدارة الدولة ونسعي للتمكين من الحكم وهي رسالة إن كانت مقصودة أو غير ذلك استوجبت ردا قويا من جانب الدولة اقتصاديا وسياسيا. • غياب الفهم السليم الجماعة في الوضع الحالي سيطر عليها تصور ينم عن عدم فهم لقواعد اللعبة الانتخابية، وهو انها ما دامت حصلت علي 88 مقعدا في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فانها يمكن أن تحصل علي مقاعد في الشوري رغم أنها خاضت انتخابات مجلس الشوري السابقة وخرجت منها خالية الوفاض تماما ثم انسحبت من انتخابات المحليات التالية متعللة بالتضييق الذي لاقاه مرشحوها، وتصور آخر مغلوط هو أن الانتخابات فرصة مناسبة للقاء الجماهير، وذلك لأن الجماعة في وقت الانتخابات تصيبها حالة «سعار» فالأجواء لا تكون مناسبة لتقديم صورة جيدة وانما تقدم صورة انتهازية وبرجماتية تتنافي كليا مع ما تروجه عناصرها عن كونها جماعة دينية تدعو للفضيلة. • «مرشحون كسر» انعكس عدم وضوح الهدف والغاية من المشاركة في نوعية المرشحين الذين وقع عليهم اختيار القيادات، فحالة الضبابية تلك جعلتهم يختارون أشخاصا غير معروفين في دوائرهم (خاصة المرشحين الاحتياطيين) حرصا علي عدم ملاحقتهم امنيا وهو تصرف يتعارض تماما مع اتساع دوائر الشوري، كما انهم اختاروا ثلاثة من النواب الحاليين في «الشعب» ليس لهم ثقل في دوائرهم ولا بين الإخوان أنفسهم، فبحسب أحد العناصر القريبة من النائب عزب مصطفي مرشح الجماعة في الجيزة، يري قطاع كبير من عناصر الجماعة في الدائرة انه استفاد من وجوده في البرلمان ولم يقدم ما يثبت أحقيته بالمقعد. • تراجع الشعبية سيطر علي الجماعة في اختياراتهم رأي قديم بأن الاخوان لو قدموا حجرا في أي انتخابات يمكنهم انجاحه، وهو غير صحيح بدليل أن «رفع الواقع» الذي طلبته القيادة من عناصر الصف حول شعبية الجماعة في الشارع جاءت نتائجه عكس ذلك تماما، فبحسب أحد الكوادر الإخوانية خلصت النتائج إلي تراجع حقيقي في شعبية الإخوان عنها قبل انتخابات 2005 أسهم في ذلك الصورة التي نقلها الاعلام لنوابهم علي مدار خمس سنوات مضت، يضاف إلي ذلك انجراف الجماعة في العمل السياسي علي حساب الدور الدعوي وهي ملاحظة محل شكوي من جانب كوادر الجماعة من ناحية والمحتكين بهم من الجماعات والاتجاهات الدينية الاخري كالسلفيين و«اللا منتمين». يضاف إلي تراجع الشعبية عوامل أخري داخلية، منها أن قطاعات كبيرة من الإخوان تري انهم تحولوا لجماعة سياسية بالمقام الأول وانحرفوا عن هدفها الأساسي، ولم يسفر ذلك سوي عن مزيد من الصدام مع الدولة ومن ثم الملاحقات الأمنية. • لماذا دعم مرشحي الأحزاب؟ لجأت القيادة الإخوانية في العملية الانتخابية إلي إعلان دعم خمسة مرشحين حزبيين إضافة إلي أخر مستقل وهو اجراء اعلامي أكثر من أي شيء آخر فالجماعة ارادت من وراء ذلك تحسين صورتها و«كسب بنط» علي الأحزاب، بدليل أن اختيار المرشحين لم يتم بناء علي تنسيق مسبق مع قيادات الأحزاب وجاء الاعلان عنهم من طرف واحد ليمثل نوعا من الهدية، مع الإشارة إلي أن الدعم غير مؤكد ولا يوجد دليل عليه سوي قيام أربعة أو خمسة كوادر بالحصول علي توكيلات من المرشح المدعوم اخوانيا. • مجرد مجاملة يلاحظ من الاختيارات أيضا أن الجماعة ارادت مجاملة جبهة أيمن نور في حزب الغد الذي زار مكتب الإرشاد ودعاهم لرد الزيارة بدعم مرشحه الذي يحمل صفة مستقل وهم يعلمون أنه بلا ثقل، أما في حالة الوفد فقد راهنت الجماعة علي المرشح الذي توسمت فيه القدرة علي المنافسة حتي اذ تحصد نجاحا ليس لها فيه دور، وفي حالة المرشح القبطي فالمعني واضح ويأتي في سياق محاولات تجميل الصورة التي تتبناها القيادة الجديدة للجماعة مؤخرا، وبحسب القيادي الإخواني المجمدة عضويته عبد الستار المليجي فإن الكوادر الإخوانية لا تنفذ من التعليمات المتعلقة بالتصويت لمرشح بعينه أو التظاهر أو ما شابه، الا ما يوافق هواها وتقدم الاعذار المختلفة اذا ما سئلت، ويؤكد المليجي ان الجماعة تصر علي التغافل عن حقيقة أن الحكومة لا يمكن لي ذراعها، مشيرا إلي ان الجماعة خوفا من الملاحقة ترشح اشخاصا ليسوا الأنسب للموقع النيابي. من جانبه يقول القيادي الاخواني الذي جمد عضويته مختار نوح أن المشاركة في الانتخابات لعبة تشارك فيها جميع القوي بغرض اظهار نوع من الديمقراطية مشيرا إلي ان نجاح الإخوان في الانتخابات السابقة كان رسالة تخويف للغرب وهذه الرسالة لم يعد هناك مبرر لوجودها في ظل تغير الأوضاع الدولية وبالتالي فإن حصولهم علي عدد محدود في الشوري أو خسارة المقاعد تماما يأتي متماشيا مع وجود إدارة أمريكية لها فهم وتصور وسياسات مختلفة.