24 ساعة قضيتها في المنيا لحضور دورة تثقيفية لضباط الشرطة علي حقوق الإنسان، فيها الكثير مما يقال ويكتب عن اللقاء مع ضباط الشرطة، وعن المنيا والصعيد الذي يتغير، لكنني أبدأ من نهاية الرحلة، من قطار الصعيد 983. كنت في منتهي السعادة، وأنا أضع قدمي في القطار ليس بسبب العودة إلي البيت، ورؤية الأولاد، وإنما لأن لدي الكثير من الخبرات والمشاهد الجديدة التي رأيتها في المنيا، وهي أمور تضيف إلي حصيلتي المعرفية الكثير، مما يستحق التأمل والتحليل والمتابعة، لكن ما حدث في القطار غير مسار تفكيري وما أكتبه الآن. بعد قليل من إقلاع القطار من محطة المنيا، وفي العربة الرابعة درجة أولي مكيفة، سادت حالة من القلق غير المبرر، وارتفع صوت بعض النساء، وبكاء الأطفال، وبدت حالة غير طبيعية تسيطر عل القطار. ماذا يحدث؟.. سألت الجالس علي المقعد أمامي فقال: فأر! نعم إنه فأر القطار 983 الذي أحال رحلة العودة إلي القاهرة إلي عملية مطاردة ورعب وذعر، وذكرني بفأر السبتية الشهير في الثمانينيات، الذي شنت عليه الصحافة حملة داهمة حينما حمله المسئولون مسئولية التهام كابلات الكهرباء، وتحويل هذا الفأر إلي ما يشبه خُط الصعيد، وسعي الأمن خلفه، فهذا الفأر يأكل الكهرباء! لكن فأر القطار 983 ليس مثل فأر السبتية، لا هو يقرض الأسلاك، ولا يعيش علي الكهرباء، إنه من النوع المألوف الذي يقطن ويعيش وينمو في القطار، وهو نوع جديد من القوارض، التي لم تدخل بعد موسوعة الكائنات الحية، حيث لا يزال العلماء في حيرة من أمرها.. هل هو من القوارض الطبيعية وبالتالي يتبع وزارة البيئة؟.. أم إنه من القوارض العاملة في هيئة السكك الحديدية وبالتالي فهو يتبع وزارة النقل؟ لفض هذا الاشتباك سألت أحد الركاب الدائمين في القطار: ما هي حكاية هذا الفأر؟.. أجاب بدون تردد إنه يعيش في هذه العربة، وقد اعتدنا عليه بحيث لم يعد يشكل أية مشكلة علي الركاب! هدأت الضجة في الرحلة التي تستغرق اكثر من ثلاث ساعات، وبدأ المستجدون علي هذا القطار مثلي اعتياد وجود الفأر، وهو أيضا بدأ يأنس لوجودنا، ومن ثم أخذ في الظهور والمرور علي مقاعد الركاب وتفرس وجوهنا، كأنه من العاملين في هيئة السكك الحديدية، الذين يمرون طوال رحلات القطارات وينظرون طويلا إلي وجوه الركاب نظرات لا معني لها. اقترب القطار من الجيزة، وهممت بحمل حقائبي، فظهر الفأر مرة أخري، ورمقني بنظرة طويلة لم أفهم معناها، هل كانت نظرة عتاب علي محضر التحريات الذي فتحته طوال الرحلة عن هذا الفأر الميري؟.. أم إن لديه شكوي كان يريد رفعها لوزير النقل لكنني لا أفهم لغة الفئران؟.. عموما علي وزير النقل وهو يعمل علي تطوير السكك الحديدية والعنصر البشري فيها النظر إلي حقوق فئران القطارات.. قبل أن تهاجمه منظمات حقوق القوارض!