السماء رصعتها النجوم اللامعة، أما القمر فكان بدرا، هأنذا أجلس خارج خيمة مضيفي أبو ليلي نحتسي الجنزبيل الساخن. في ظلام الليل لاح شبح من بعيد، كان رجلا يجوس بين الخيام بخطوات بطيئة، مد أبو ليلي يده بخفة وأمسك بمقبض سيفه، علي بعد خطوات منا صاح الرجل مناديا: ليلي.. ليلي هذه شابة يقال إنها رائعة الجمال ككل بطلات الحواديت القديمة، غير إني لم أرها شخصيا حتي ذلك الوقت. شعرت بالدهشة، كيف ينادي أحد الناس في ظلام الصحراء علي آنسة في بيئة تعتبر نطق اسم المرأة عورة بل فضيحة، بعد أن اقترب منا الشبح قليلا تعرف مضيفي عليه فصاح بغضب خفيف: أقيس أري؟.. ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا..؟ رد قيس بصوت خافت ورقة: ما كنتش معاهم ياعمي.. كنت في الدار.. وبعدين حبيت أولع نار عشان اتدفي... فما لقيتش ولعة. قال أبو ليلي: تقوم تيجي تزعق في الربع بالليل وتقول ليلي..؟ التقاليد تحتم إنك تنادي ياعمي.. أو تقول يا أهل البيت... أو تقول يا أهل الله ياللي هنا.. رد عليه بتهذيب: أنا آسف يا عمي.. صاح صديقي مناديا: يا ليلي.. يا ليلي.. انت يا بنت.. ابن عمك هنا، عاوز شوية حطب مولعين. انبعث من داخل الخيمة صوت أنثوي جميل: مش معقول.. قيس عندنا.. وعاوز ولعة.. ده أنا أولع له صوابعي شمع.. في تلك اللحظة جاءت لأبو ليلي مكالمة علي تليفونه المحمول انصرف بعدها علي الفور، استدعوه في مأمورية إغارة علي قبيلة أخري، تركني بعد أن قال لي: مش حاغيب.. هم ساعتين تلاتة بالكتير، نخلص علي رجالتهم وناخد نسوانهم وعيالهم ومعيزهم.. الجمال خدناها منهم الجمعة اللي فاتت.. خد راحتك.. البيت بيتك. نادت ليلي علي خادمتها عفراء، وكانت عفراء بالفعل، من الواضح أنها لم تستحم منذ عشرة أعوام، شح المياه في الصحراء هو المسئول عن ذلك. اختفي الأب وظهرت ليلي، قدمت نفسي للسيد قيس بوصفي ضيفا قادما من المستقبل في إجازة سريعة، استأذنت في الانصراف غير أن قيس أصر علي وجودي بالقرب من النيران المشتعلة، هذا هو الحب العفيف إذن، لا أحد لمس يد الآخر في هذا الجو الساحر المشحون بالحب، هذا نوع غريب من الحب لا يذوب فيه المحب في محبوبته بل يحترق كل منهما وحده في مكانه، سألني قيس: أنت قادم من المستقبل.. تري ما هو مستقبل حبنا؟ الليل في الصحراء يغري بالصراحة، قلت له: لا أريد أن أسبب لكما ألما.. لن تتزوجا.. هكذا ستحافظان علي حبكما قويا إلي الأبد.. أقصد إلي أن تموتا.. لن تتزوج ليلي لسبب بسيط هو أنك تحبها وهي تحبك وأبوها يعرف ذلك والقبيلة كلها تعرف ذلك بل الجزيرة العربية كلها وسكان الشام يعرفون ذلك.. ولهذا السبب لن يوافق أبوها علي زواجك منها.. سيزوجها لشخص آخر فتمرض وتموت وتمرض أنت أيضا وتموت.. والسبب هو إنك صرحت علنا من خلال أشعارك أنك تحب ليلي.. غير أن السبب هو كراهية الحياة نفسها ليس عند الأب فقط بل عندكم جميعا، هو سيرفض زواجك منها لأنك شخص واضح تعبر في وضوح عما تشعر به في إطار تقاليد تمجد الإخفاء والإلتواء، والشخص الذي سيتزوجها هو أيضا وغد كبير خاصمته الرجولة، كيف لرجل يحترم نفسه أن ينام في فراش واحد مع امراة يعرف أنها تحب شخصا آخر، هذه حالة مرضية وليست حبا.. تصبحوا علي خير.